2011/2/5 الدستور
يُحكى أن الشجرة قبل أن تجف عروقها، تقوم بمحاولة أخيرة وهي إنبات برعم يحمل بذور البقاء،
وغالبا ما تنجح المحاولة, وتعود الحياة بكل عنفوانها. وكثيرا ما رأينا عروق الدوالي المتيبسة، تمنحنا قطوف العنب والأوراق الخضراء اليانعة في رمشة عين، لحظة تحنو الطبيعة على هذه العروق وتمنحها قطرات من الماء الزلال المشعشع الرقراق.
هكذا أرى ما يجري الآن في وطننا العربي ممثلة بمصر وتونس. فقد كان يغلي الدم في عروقي عندما كنت أسمع كلمات الاستهانة بالأمة العربية، وتأكيد هؤلاء المارقين أننا انتهينا، ولن تقوم لنا قائمة، فأسمع هدير دمي وهو يغلي، وأقول كلمتي وأمشي. كنت على يقين أن أمتنا تختزن طاقات
لا تنضب وأن لحظة النهوض قادمة، ولم تأت بعد تلك اللحظة الحرجة التي تقلب التوازن المزيف،
وتحرك الجبال، وقد قالها المسيح، من لديه هذا الإيمان العميق يستطيع أن يحرك الجبال، وقد كنا
نعجب في صغرنا من فكرة تحريك الجبل!! وإذا به يصبح حقيقة واقعة نشهدها بأم أعيننا.
أينعت الأشجار ممثلة بالشباب العربي المصري، وقفوا كالأشجار التي تمد جذورها في باطن الأرض في ميدان التحرير يطالبون بالحرية والعدل والحياة الكريمة. مطالب لا يختلف عليها اثنان،
ولكنهم افتقدوها لعقود طويلة، فقد قفز في لحظة زمنية غادرة إلى السلطة رجال ونساء، أساءوا تقدير المشهد، فاستولوا على مقدرات الشعب وبتوا الدور والقصور، وكدسوا الأموال بيد قلة من الحلفاء والأصدقاء، وحرموا المواطنين من حقهم في ثروة وطنهم. هذا ما جرى، وقد صبر الناس، صبروا الى أن بدأت عروقهم بالجفاف، فأينع ذلك البرعم وبزغت تلك البراعم الواعدة تطلب حقها في الحياة،
وها هي توشك، تلك الأشجار، على الإزهار معلنة للعالم أن الحياة دبّت في العروق، ولا بد للثمر أن يتدلى على الفروع.
نعيش لحظة تحقيق الحلم، حلم الحياة الحرة الكريمة لكل المواطنين الذين عانوا كثيرا من العوز والقمع وقلة الفرص التي تمنح الأمل. وها هو الأمل يبزغ من جديد على أيدي شباب لهم المصلحة الحقيقية في التغيير نحو الأفضل. هم يعرفون ما هو الأفضل لهم، فالذي جرى لبلدهم قبل أن يولدوا،
لا يصح ان يستمر، فالاستمرار في العيش في ظل الخوف والقمع وعدم تكافؤ الفرص، لن يستمر،
فالشباب قد أمسك بتلك اللحظة المباركة، ولن يتنازلوا عن حقوقهم مهما كانت التضحيات، وليس هناك مكاسب دون تضحيات، وهم يدركون هذا الأمر جيدا، وهم راضون عن تقديم التضحيات
التي ستمنحهم حتما الحرية، ولن يتنازلوا عن هذا الحق الذي يعني لهم الحياة.
هي اللحظة المباركة التي ستطرح الثمار، وهي تلك الأشجار التي تجذرت في الأرض المباركة التي لن تخذلنا، فهي أمنا الحنونة التي تطعمنا الخبز والحرية.