
فيسبوك 2 نوفمبر 2020
كان يُشرق وجهها بابتسامة رائعة عندما يعود والدي من عجلون، مع ست تنكات من زيت الزيتون، مونة العام.
كان هذا يحصل في مثل هذه الأيام بالخمسينات من القرن الماضي. أما الزيتون فكنا نرصعة بالحجارة ونكبسة بالماء المالح والفلفل والليمون بالجرار. وكنا نجمع الزعتر من البراري في عين غزال والمناطق المحيطة لعمل الزعتر المطلوب للتغميس مع الزيت.
كانت أمي تحرص على تموين البيت بكل ما يحتاجه من مؤن نستهلكها في فصل الشتاء. تبدأ العمل في الربيع بتموين اللبنة والجبنة، يأتي الحلاب فجراً لنشتري منه ” أرطال”، من الحليب الطازج، كان يزودنا يومياً بعشرة أو خمسة عشر كيلوغراماً من الحليب لغليها وترويبها، ثم وضعها في أكياس ضخمة من القماش الياباني الذي يسمح بمرور المصل، تنتظر أمي عدة أيام ليتصفى اللبن ويصبح جاهزاً للدحبرة، ووضعه في مرتبانات الزيت ليُحفظ في مكان بعيد عن الحرارة لنأكله في أيام الشتاء القاسية.
بعد ذلك يأتي موسم المشمش، نشتري المشمش المستكاوي لعمل المربي مع البذور التى نتولى كسرها وأكل نصفها، لتضيفها أمي للمربى. ثم يأتي موسم الفريكة قبل أن ينضج القمح للحصاد، نشتري الكمية المطلوبة وننقيها من الشوائب لإرسالها لمطحنة خاصة، وينتج نوعان من الفريكة، ناعمة للشوربة، وخشنة للفلفلة.
وبعد ذلك نشتري شوالات القمح لتنقيبها وطحنها من أجل صنع الخبز المنزلي، وكنت أساعد، أحياناً، أختي الكبرى في جبل الطحين إلى أن يُصبح شبه متماسك، ثم تستكمل العجن والتمليك، ليصبح متجانساً.
وقبل ذلك نستمتع بسلق القمح في طناجر ضخمة ينصبونها في الشارع على ثلاثة حجارة كبيرة، توضع هذه القدور فوق النار حتى يستوي القمح، كل عائلة تسلق قمحها وتأخذه وتنشره على سطح البيت على شراشف مُعدة مسبقاً لفردها عليها حتى تنشف.
وبعد ذلك تُرسل للمطحنة أيضاً لعمل أنواع من القمح المجروش، برغل للطبخ وبرغل أنعم للتبولة أما الجريشة فهي تصنع من القمح غير المسلوق.
وكنا نستمتع بأكل سليقة القمح المرشوشة بالسكر.
ويأتي فيما بعد موسم الباذنجان وعمل المقدوس، تبدأ عملية السلق والتصفية من الماء والحشو فيما بعد بالجوز والثوم والفلفل الحار.
هكذا كانت البيوت تُحضّر نفسها لموسم الشتاء، كان البيت مصنعاً صغيراً حيث تقوم النساء بالعمل المضني طوال العام لعمل المونة وتوفير الطعام المغذي والنظيف دون إضافات غير مأمونة لحفظ الطعام.
هل علينا أن نعود لمثل هذه الأعمال الآن؟
أعتقد أن هناك من لا يزالون يقومون بمثل هذه الطقوس في القرى في كل بلاد الشام.
وهناك من نساء بلادنا من يعملن في منازلهن لتحضير هذه المونة وبيعها في أسواق موسمية.
لهؤلاء النساء الرائعات كل التقدير والمحبة، فأنا أرى صورة أمي وابتسامتها المشرقة، وهي تُحضّر طعامنا الشهي لعقود طويلة.