فيسبوك 11 تموز 2020
يقع بيت الراهبات في الجاردن سيتي في القاهرة، وهو عبارة عن فيللا تحيط بها حديقة جميلة، وأجمل ما في الجنينة، على رأي المصريين، شجرة مانجا ضخمة، وثمارها طيبة جداً، نجلس مساء تحت الشجرة الوارفة الظلال ونبدأ في رصد ثمارها الشهية، وابتدعنا طريقة لقطف المانجا عن بعد، إذ كنا نقذف بالأحذية على الأفرع القريبة، وإذا كانت الثمرة ناضجة وأصبناها تسقط، ونتراكض للحصول على ثمرة مانجا شهية، ولكن، هذه الشجرة كانت تؤرقني صباحاً، إذ كان يعيش بين أغصانها آلاف العصافير، وعندما تصحو صباحا، عندما يشقشق النور تبدأ في الزقزقة، وهنا أنهض ألعن، في سري، زقزقة العصافير التي كنا نعتبرها في كتابة النصوص النقدية في المدرسة، علامة الرقة وحسن الذوق عند الشعراء. هذا جانب، لكن الجانب الإنساني في هذا البيت تجلى في وجود السيدات المسنات في الطابق الأرضي من جنسيات مختلفة، وهن النساء اللواتي تقطعت بهن السبل بعد الحرب العالمية الثانية. كانت الراهبات يخدمنهن، وكنا نصادفهن أحيانا أمام غرفهن وهن يسرن على العكازات. كانت الراهبات رائعات في خدمتهن ونظافتهن وحسن تدبيرهن.عندما يصيبني المرض المرتبط بالامتحانات، كانت إحدى الراهبات تعطيني إبرة B6، وتساعدني هذه الإبرة في التخفيف من الرغبة بالاستفراغ قبل الامتحان بساعات. وفِي الأيام العادية كُنتُ أتشاقى كثيراً مع الطالبات العربيات والمصريات والصديقات الأردنيات.في الأعياد كنتُ البس ملابس العيد وأبدأ الذهاب لغرف الفتيات أستحثهن على النهوض، تسألني الراهبة، هل أنتِ مسلمة، لا أجيب إجابة واضحة، وأحيانا أقول نص نص، وفِي عيد الميلاد أو القيامة أقوم بنفس الدور، وتحتار الراهبة معي. حياتنا في هذا البيت كانت منظمة، وكنا نحن اللواتي ندرس الطب نتأخر على الغداء حتى الساعة الخامسة، فتحتفظ الراهبات بغداءنا جاهزاً في هذه الساعة المتأخرة، نأكل في الخامسة، وفِي الساعة الثامنة ننزل للعشاء أيضاً. أما الدراسة فكانت تبدأ بعد التاسعة مساء عندما تغلق الدار أبوابها.