فيسبوك 24 تموز 2020
أيام زمان في المدرسة قبل عقود بعيدة، كُنتُ أحضر، أحياناً، دروس الدين وأحفظ الآيات القصيرة، وقد كُنتُ أحفظ النصوص القرآنية التي كانت في كُتب القواعد والأدب، وكانت تعجبني الآية التي مطلعها ” وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة”، لأننا كنا نستشعر الهزيمة في فلسطين التي لم نُعد أنفسنا لخوضها جيداً. المهم أننا درسنا أن الإسلام قبل أربعة عشر قرنا أتى للقضاء على ثلاثة… الأخذ بالثأر ووأد البنات والعشائرية. وكان يعجبني ما نتعلم. أعود إلى البيت وأسمع قصص الأخذ بالثأر التي كانت ترويها خالتي وامي وكل من يزورنا من الأهل حول قتل المحامي الشاب ” سداً للثأر”، من العشيرة التي سبق وأن قتل أحد الأقرباء أحد أفرادها!ولا أزال أذكر تفاصيل الأسلوب الذي استخدمه الخصوم لقتل الرجل، حيث مزقوه بالشباري تمزيقا ً في الميدان أمام الناس دون تدخل من أي فرد من الناس! وعندما قرأتُ رواية غابرييل غارسيا ماركيز ” قصة موت معلن”، تذكرت ما جرى في السلط قبل عقود من قتل كان معلناً وبنفس الأسلوب. وللعلم بطل ماركيز من أصل عربي أيضاً والقضية قضية شرف، أما قضيتنا فهي صراع عشائري .هذا عن الأخذ بالثأر، أما وأد البنات فقد سمعت عن قتل البنات، ومنهن من أعرفهن من الحارة الفوقا، وهي غسلاً للعار، وكان تعليق أمي، “أن من توطي راس اخوانها، قتلها حلال”، وكانت ترن في أذني جملة أمي وكأنها تحذير لنا من ارتكاب أي خطأ !أما العشائرية فهي معششة في بيوتنا، وكان الإحساس بالفوقية على أشده، أتكلم عن الخمسينيات، لكن وجود شقيقي الأكبر عدنان وانتماءه لحزب البعث شذّب من هذا الإحساس، وقد قامت الأحزاب القومية واليسارية بدور مهم في هذا التخفيف ومن هذا التعصب الأعمى للعشيرة دون وعي، ودون مهاجمة دورها كمؤسسة اجتماعية وليست مؤسسة سياسية،لكن الأمور تغيرت بعد تغيير قانون الانتخابات للصوت الواحد. وعندما قررت السفر للقاهرة للدراسة عام ١٩٦٤، رشقتني أمي بجملتها الشهييرة، ” السمعة الصحة العلم”، وكنت ُ أعرف أنها واثقة أنني لن ” أوطي راس اخواني”، لأن شقيقي الأكبر الذي تولى تعليمنا، كان يعمل في الكويت وينزف يوميا أكواباً من العرق المقدس ليعلمنا ويصرف علينا. ولم يكن في نيتي أبداً أن أغير مسلكي وأنا بعيدة عن الأسرة، ولأنني فعلاً كنتُ أركز على المعرفة والثقافة والعلم. هكذا كان التناقض الذي عشناه في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. ولا يزال الفكر المعشش في خلايا المجتمع حول خوف الفتيات على حياتهن من نظرة المجتمع، الذي لم ينفتح بعد، على حق الإنسان، ذكراً أو أنثى، في اختيار نمط حياته التي تناسبه أو تناسبها لضعف في التطور الاجتماعي، الذي لم يواكب التطور التكنولوجي المستورد من مجتمعات تطورت بفعل الثورات الاقتصادية الصناعية الاجتماعية الثقافية الفكرية والقانونية.