فيسبوك 16 سبتمبر 2020
زحفتْ تحت الأنقاض، والذاكرة تهتّز ُ مع تساقط الأشياء. ماذا جرى لنا؟ أين الأسرة؟ هل نجا أي منهم؟ ليبقَ لي واحدٌ يا ربي … أتنازل عن أربعة وأرضى بالخامس! وتزحف بين الأنقاض … هذه ساق … ساق من؟ إنها بيجامة أحمد … يا إلهي قُطعت ساقه … لا يهم. المهم أن يحيا. تلك يد … يدُ من هذه؟ إنها يدُ سعدية. يا سعدية حتى لو نقصتِ يداً فأنتِ حبيبتي. أريدك أن تحيي. أين أنتِ يا سعدية، انجدي أمك، ساعديها على الخروج من تحت الأنقاض.
هذا جسد مقطع الأوصال، جسدُ من هذا؟ إنه جسدُ حامد، تقطعت أوصاله والرأس، وبقي جسدك يا حامد. ما يزال حاراً، هل أتيتَ لتنقذني، فخسرتَ رأسك وأطرافك.
لا يهم … المهم أن أجدَ أحدكم … ليبقَ لي واحدٌ يا ربي، وأقبل بالاستشهاد للبقية. هذه عينُ سعيد … أنها العين التي طالما أحببتها، كم أحببتُ نظرتك يا سعيد، كنتُ أتفائل بها دائماً، لا بُدَّ أن أجدك حياً، أنت المحظوظ ! أين بقية الأولاد؟ هنا رأس، إنه رأسُ كمال تنقصها عين واحدة، أين جسدك يا كمال؟ تمزّق … لا بأس … عندي جسد لَكَ، سأركِّب ابني الآن كما أركب الدُمى، سأضع رأسك على جسد حامد وعندي ساق وذراع وعين!
سأصنع ابني الوحيد، هذا هو ابني الجديد، سأتمم أطرافه وساقه وعينه وأعيش معه.
العيون تتفتح وهو ينظر إليّ ويقول: الحمد لله يا أمي إنك موجودة، فأنا أريد أن أعيش معك وأساعدك على تجاوز المأساة، ونبقى معاً لنشكل أسرة جديدة.
لا تخافي يا أمي، أنا أبناؤك جميعهم، كل عضو ممثل في هذا الجسد، ومع الزمن ستتآلف أعضاء هذا الجسد ويعيش من أجل الأمل الذي تحلمين به.
سأعيش يا أمي لأجلك … لأجلك أعيش.
كَتبتُ هذه القصة المحزنة في جريدة الدستور الأردنية بتاريخ ١٩٨٨/١٢/١٧
أعيد نشرها الآن في ذكرى مذبحة صبرا وشاتيلا. هل من يتَّعظ!