أهلاً بكم وسهلاً لمروركم

الشبح

الدستور 2011/12/22

كنت ولا أزال، لا أومن بما ما يُروى من قصص الأشباح، التي تدخل ضمن الروايات الشعبية والقص التراثي، وتسكن الوجدان الشعبي كشخصيات تلعب دورا في حياة البشر، خصوصا في القصص التي تروى للأطفال.

ولكن، بدأت مؤخرا أعيد النظر بفكرة الشبح، فقد يكون الشبح فكرة أوشخصية روائية يبتدعها الروائي أو الراوي، ليضيف أحداثا شبه أسطورية، غير متوقعة، بقصد التشويق او خلق جو الرعب الذي طالما شاهدناه في أفلام الرعب الأمريكية تحديدا.

أكتب عن الشبح، وعبني على الكتاب الذي أكد لي أن الشبح ليس شخصا وهميا كما كنا نعتقد،بل هو

موجود بيننا، أي في هذا العالم الواسع الشاسع الذي يعيش فيه الأشباح والغيلان الى جانب الناس البسطاء الفقراء الذين يبحثون عن الستر، نعم الستر بالمعنى الحرفي الذي كانت الجدات يطلبنه للأبناء والبنات.

الشبح يا خلان هو اتحاد أو ائتلاف أو تضامن أو تشارك بين أصحاب الشركات الكبرى، ولنرمز لهم بحرف “الشين”، وأصحاب البنوك التي تشفط أموال البشر، ويتنغنغ المدراء المكلفون بادارة هذه الأموال بالرواتب الضخمة، وبدلات السفر” والبونس” في نهاية العام. ولنرمز لهم بحرف ” الباء”.

وأخيرا تأتي الحكومات، كل الحكومات في العالم، الذين يعملون بالتضامن والتآخي مع هاتين المؤسستين لضمان سير أعمال الحكومات، التي غالبا، تحابي أصحاب الأموال على مصالح المواطنين الفقراء، لأنهم بالتالي ينتفعون من تنامي أعمال الشركات والبنوك، ويضمنون مواقع هامة بعد التقاعد أو بعد الابتعاد عن المناصب الحكومية، ولنرمز لهم بحرف ” الحاء”.

 هل تشكل الشبح أمامكم؟ هل يخيفكم؟ تعالوا معي لنقرأ بعض ما كنب ” جون بيركنز” في كتابه “اعترافات قاتل اقتصادي” ترجمة ” بسام ابو غزالة”، (من مقار الشركات في نيويورك، وشيكاغو، وسان فرنسيسكو، ولندن، وطوكيو، يخرج رجال ونساء وينسابون عبر كل قارة في العالم لاقناع السياسيين الفاسدين  بجعل دولهم ترزح تحت نير سلطة الشركات، ولاغراء اليائسين من الناس على بيع أجسادهم في مصانع الكدح وخطوط الانتاج).

هل هناك أبلغ من هذا الكلام في تآلف الشركات والحكومات والبنوك ايضا، لأنها حافظة نقود الشركات، لامتصاص دم وعرق ولحم البسطاء في العالم من أجل أن تثرى حفنة من المتنفذين في أطراف الدنيا تجمعها مصالح مشتركة؟..!

ليس هذا وحسب، فهذه المؤسسات التي تأتمر بأمر أكبر مؤسسة تجسس في العالم، ويرمز لها أيضا بثلاثة احرف أصبحت معروفة لدى الجميع بأنها تحرك الأشباح حيث تريد، وتمارس القتل، عند الضرورة” اذا رفض رئيس دولة ما الخضوع لشروطهم، وهي القيام بمشاريع كبرى تنفذها الشركات الكبرى، والأمريكية على وجه الخصوص، بمبالغ خيالية مستدانة من البنوك العالمية، وتقوم هذه الشركات بالتنفيذ وتشفط المبالغ الضخمة، وترزح البلاد تحت نير الدين الذي لا يمكن تسديدة مع الفوائد المركبة حتى بعد عدة عقود.

اذا رفض رئيس الدولة هذه المعادلة، سينبري له ما سماه الكاتب ” بنات آوى” لاغتياله عن طريق اسقاط الطائرة، كما حصل مع رئيس الاكوادور” رُلدُس” ورئيس بنما ” عمر نوريجُس” . 

أما في العراق، فقد فشل القتلة الاقتصاديون وبنات آوى جميعا، لذلك كان لا بد من الاحتلال العسكري، فالعراق مهم جدا من أجل السيطرة على النفط، والموقع على المستويين الجغرافي والسياسي.

زالت الغشاوة، ولم يعد هناك ما يقوله الناس، كل الناس، في كل مكان في العالم، أن ما يجري للبشر من افقار وجوع وتخريب للبيئة، ليس صدفة، فهناك مؤامرة تقودها الأشباح لفائدة طبقة عالمية.

ولكن الطبيعة، وعلى الرغم من كونها غير شريرة كالبشر، الا أن ما يجري الآن من احتباس حراري، أدى الى ارتفاع في درجات الحرارة، وتغير في المناخ، وذوبان للثلوج في القطبين، وتسونامات تضرب القارات والشواطىء، والحرائق والجفاف والزوابع، كل هذا احتجاج على ما يجري من تخريب لهذا الكوكب الضعيف المسكين الذي استغله هؤلاء القتلة الاقتصاديين ومن يوظفهم في مشاريعهم التي هدمت توازن النظام الكوني.

كل هذا لا يدعونا لليأس، بل يفتح العيون على أن كل ما جرى هو بفعل فاعل، ومن الممكن الاستفاده من القوى الخيرة في العالم التي استطاعت أن تقاوم هذا الكابوس، وهؤلاء الأشباح، لصالح البشر الذين ذاقوا المرارة، ولا بد من ملعقة عسل يصنعها الشرفاء من أزهار الخير التي يمتص رحيقها النحل، مثلُنا، في الدأب والعمل والانتاج.

بالعربي الفصيح

الدستور 2011/12/6

قال الزميل يفتخر بابنته الصغيرة: انها تتكلم بالفصحى، وهو سعيد بذلك، سألته: من أين اكتسبت ابنته هذه الملكة وهو يتكلم بالعامية عادة؟ أجاب: انها احدى الفضائيات المخصصة للأطفال قبل عمر الدراسة، وأضاف انه يرى أن الأطفال اذا راقبوا هذه المحطة، فهي بديل جيد عن المحطات الأخرى التي تقدم أفلام “الكرتون الآكشن”، وهي أيضا قد تكون بديلا للحضانة التي لا يستطيع معظم الآباء تحمل مصاريفها الباهظة.

سررت بما قاله الزميل، وسمعت فيما بعد نفس الكلام من أكثر من صديقة تمتدح خطة المحطة التلفزيونية الموجهة للبراعم الصغيرة.

بنفس الأسبوع أيضا شاهدت برنامجا استضاف الشاعر فاروق شوشة وهو يتحدث عن اللغة العربية، وعن دور مجامع الغة العربية في تطويرها. وأهم ما قاله فاروق شوشة هو: ان اتقان العربية يحتاج لمعرفة عشرة قواعد فقط، ومن يحفظها ويطبقها من الطلاب يستطيع أن يتكلم ويقرأ ويكتب بلغة عربية سليمة. 

وشاءت الصدف أن أكلف بقراءة عشرات القصص والمقالات لطلاب وطالبات مدارس أهلية، وذلك لفرز افضل القصص والمقالات. وقد وجدت بين هؤلاء الطلاب والطالبات من هم قادرون على الكتابة بلغة عربية سليمة، ولكنهم ليسوا أغلبية، وهم طلاب من مدارس متميزة. 

وصلت الى نتيجة، أننا بحاجة للاهتمام بالأطفال قبل عمر الدراسة، وفي الحضانة، وفي المدارس الابتدائية بشكل خاص، لاتقان اللغة العربية. وهذا يعني أن تقام ورشات عمل ودورات متخصصة لمدرسي ومدرسات اللغة العربية، تعقدها وزارة التربية والتعليم، بالتعاون مع الجامعات والمؤسسات القادرة على وضع البرنامج الخاص بتطوير ملكات المدرسين، ليكونوا بالتالي قادرين على تعليم اللغة العربية الحديثة السهلة القابلة للاستخدام في كل المناسبات.

من جانب آخر، نأمل ان تهتم جهة ما، بالاعلانات التي تعتبر أن تكسير اللغة يمنح الاعلان صفة التميز، وهذا تميز غير صحيح، فهناك اعلانات تثير حساسية عند مشاهدتها على الفضائيات، او عند قراءتها، فهي تخدش السمع، ولا تؤدي الا الى ترويج كلمات وجمل غير مستساغة.

أما كتابة ” الآرمات” باللغات الأجنبية، وبخاصة باللغة الانجليزية، فهي قصة اخرى، فما الحاجة لتسمية المطاعم التي يرتادها الأردنيون والعرب، وقلة من الأجانب، بأسماء أجنبية؟ يكفي ان يكتب كلمة “مطعم” باللغة الأكثر رواجا، وهي اللغة الانجليزية في بلادنا، او وضع اشارة الشوكة والسكين تحت الآرمة، ليستدل الأجنبي على المطعم. ومن عجائب الصدف ان هذه الظاهرة أقل بروزا في مطاعم النجوم الخمس التي يرتادها الأجانب، بشكل خاص، فمعظم هذه المطاعم لها تسميات عربية  من التراث او مسماة بالعربية الفصحى. وهذا اسلوب حميد يشكرون علية.

اللغة هي وعاء التفكير، والاعتزاز باللغة انتماء للوطن، ومعرفة اللغات الأخرى، ثقافة ومعرفة ايضا، ولا يجوز أن تكون بديلا عن اللغة الأم.

 لدينا أمل أن يتغير اسلوب التفكيرالذي يعني أن اللغة العربية لم تعد قادرة على حمل التطور التكنولوجي، هذا تعبيرغير دقيق، وهو تفكير العاجزين، فهناك لغات أقل يكثير من لغتنا القابلة للاشتقاق، والتعريب، وخلق المترادفات، وهضم الكلمات الأعجمية ودمجها في نسيج اللغة العربية.

اقول هناك لغات اقل بكثير من لغتنا ومع هذا، يعتز اصحابها بلغتهم ويتحدثون بها في المحافل الدولية

دون خجل أو احساس بالدونية.

اللغة كائن حي، ينمو ويتطور بالرعاية والاهتمام من أهلها الذين لن يكون لهم وجود فعلي على هذا الكوكب، الا باحترام لغتهم التي هي وعاءهم الفكري.