ما يُشْبِهُ الرَّحيل

رَحلت عنا هدى يوم الثلاثاء 2022/10/18.
نُهدي هذه الصفحة لروحها المُناضلة بذكرى وفاتها الأولى ليبقى ذِكرُها مؤبداً.

كتاب "هدى فاخوري.. طيفٌ جميلٌ مرَّ بخاطِر كثيرين"

أعد هذا الكتاب الدكتور عبدالله العساف عِرفاناً منّه ومن الأصدقاءِ للصديقة الراحلةِ بذكرى وفاتها الأولى.. وهو يتضمنُ كلماتِ الوفاءِ لها بعدَ وفاتِها، بدءاً بالكلماتِ التي ألقيَتْ في حفلِ تأبينِها احتفاءً بمسيرتِها النضاليَّة، إلى مختلفِ ما نُشرَ عنها على وسائلِ التواصلِ الاجتماعيّ الالكترونيّة من نعيٍ وبرقياتِ تعزيةٍ، وحتى مقالاتٍ نُشرت في الصحفِ العربيةِ والأردنية، وصولاً إلى كلماتٍ كتبها ثُلةٌ من المقربين منها من محبيها ومن السياسيين ومن المثقفين المعاصرين لها، والتي تضمنت جميعُها شهاداتٍ حيةً لمسيرتِها النضاليةِ والثقافيةِ.

من حفل التأبين

أقيم حفل تأبين الدكتورة هدى في قاعةِ الرَّشيد، في مجمَّعِ النَّقاباتِ المهنيَّةِ في عمَّان وذلك يومَ السَّبت الموافق 17 كانون الأوَّل/ ديسمبر 2022م، بدعوةٍ كريمةٍ من جمعيَّةِ الصَّداقةِ الأردنيَّةِ الكوبيَّة، وأهلِها وأصدقائِها ومُحبِّيها، وتجدون هنا كلمات المتحدثين والفيلم الذي عرض خلال الحفل والذي تمحور حول سيرةِ حياتها ومسيرتها.

فيلم «ما يشبه الرَّحيل» والذي تَمَحوَر حولَ سيرةِ د. هدى فاخوري ومسيرَتِها

الأستاذ محمَّد البشير، كلمة جمعيَّة الصَّداقة الأردنيَّة الكوبيَّة

“الدكتورةُ هدى، ابنةُ البيتِ البَعثيّ، عشِقَت العَربَ، وآمنت بوِحدَتِهم، وهي المعجبـةُ بالتجربةِ الناصريةِ والمتأثرةُ بعطائها الكبيرِ لمصرَ والـوطنِ العربـيّ عامـةً، ولفلسطينَ خاصةً، لقد عشِقَت مقاومَةَ شعبِها للعصاباتِ الصُّهيونيّةِ، وأحبّت العِراقَ ودافعَت عنهُ، وافتخرَت بإنجازاتِهِ، كما عشِقَت سوريا، ووقفت معها نِظامًا وشعبًا وترابًا، فهي المنفتحةً على الجميعِ، والمؤسِّسَةُ مع الرفاقِ: الراحـلِ مؤنس الرزاز، مازن الساكت، محمود العملة، محمد الصوافين ومحمد البشـير وآخرين ممّن قدّموا لوطنِنا الكثيرَ، الحزبَ العربيَ الديمقراطيَّ الأردنـيّ.”

محمد البشير

كلمة الأستاذة مباركة البراهمي، نائب سابق في البرلمان التُّونسيّ، وقياديَّة في التَّيَّار الشَّعبيّ التُّونسيّ

“إنّ هُدى فاخوري، هي فخرُ المقاومةِ والنضال ضدّ الإرهابِ والتطرّف، وهي التي لا تُفرّط ولا تتنازلُ، بل تقاومُ الفسادَ الذي يستهدفُ الأبرياءَ ويئِدُ حريّاتِهم وتطلّعاتِهم في الحصولِ على حقوقِهم الاجتماعيّةِ والاقتصاديّةِ، إنّها هُدى فاخوري، المقاومةُ للتطبيعِ مع العدوّ الصهيونيّ، وكلِّ الاتفاقيّاتِ السريّةِ والعلَنِيّةِ التي أبرَمَها حُكّامُنا، هذه الاتفاقيّاتُ التي لا تُساوي الحبرَ الذي أُمضيَ بِها، لقد كانت هُدى تؤمنُ أنّ ما أُخِذَ بالقوةِ لا يُسْتَرَدُّ إلا بالقوةِ، وأنّ التفاوضَ مع الاحتلالِ يُضفي مزيداً من الشّرعيَّةِ لهذا العدوّ.”

مباركة البراهمي

كلمة الأستاذة فاطمة الكرَّاي، كاتبة صحفيَّة تونسيَّة عروبيَّة، ورئيسة تحرير صحيفة الشُّروق اليوميَّة التُّونسيَّة

“…فأنتِ قائدةٌ يا هُدى في الدفاعِ عن المجتمعِ العربيّ والإنسانِ العربيّ الجديدِ، وعن الإنسانيّةِ جمعاء، إنّكِ مكسبٌ حقيقيٌّ لكلّ الإنسانيّةِ وليسَ للعربِ فقط، فكتاباتُكِ بلسمٌ، ومواقفُكِ الشجاعةُ سوفَ تتركُ في التّونسيّينَ قصصًا وعِبَرًا، فاليوم يشيرُ إليكِ التونسيّونَ قائلين بفخرٍ واعتزازٍ: هذه هُدى، المرأةُ الأردنيّةُ قاهرةُ المطبّعين.”

فاطمة الكرَّاي

كلمة الأستاذ محمد سلماوي، الأمين العامّ الأسبق للاتّحاد العامّ للأدباء والكُتّاب العرب

“أنا وهُدى وُلِدنا في نفسِ العامِ، وعرفتُها قريبةً من كلِّ ما يحدثُ في الدولِ العربيّةِ، فكما كانت تطمئنُّ على تونسَ وما يجري من أحداثٍ عديدةٍ فيها، كانت أيضًا تطمئنُّ على مِصر، فكم من مرّةٍ أتت إلى مِصرَ والتقت بِنا في اتّحادِ الكُتّابِ؛ لتسألَ وتناقشَ، ولتضمنَ أنّنا لم ولن نضعُفَ، ولكي تدفعَ بِنا إلى الأمامِ، نعم، هي السيّدةُ الرقيقةُ ذاتُ الوجهِ المُشرِقِ الجميلِ، والذي يُخفي خلفه قوةً عظيمةً تؤيّدُ وتدفعُ الآخرين إلى الأمام.”

محمد سلماوي 

كلمة الدّكتور يوسف مَكِّي، مفكِّر وكاتب وباحث سعودي، الأمين العامّ المساعد للمؤتمر القوميّ العربيّ

“إنّ هدى لم تكن إنسانةً عاديّة، بل هي إنسانةٌ استثنائيةٌ، رقيقةٌ بمظهرِها، وكانت، كما وصفها زُملاؤها، لبؤةً حين يقتضي الموقفُ والشرفُ والصدقُ، فهي لا تترددُ، إنّني أحدّثكم اليوم حديث الأصدقاء لبعضِهم عن رفيقتِهم الفقيدة، ولستُ أحدّثكم بأسلوبِ الخطابة، هُدى التي صاحبتني لأكثر من خمسة عشر عامًا، وبسببِها زرتُ الأردنَّ ثلاثَ مرّاتٍ، وهذه المرّة الرابعة، لقد كنتُ أنصحُ أيضًا زوجتي عند قدومِها لعمَان أن لا تطيل المكوثَ فيها، لأنني أعرفُ أنّ هُدى لن تذهبَ للعيادةِ طالما أنّ زوجتي هنا، فقد كنتُ أعرفُ أنّ هُدى تُغلقُ عيادتَها عندما يأتي أصدقاؤها، وتتفرّغُ للقيامِ بواجبِ استضافتِهم ومرافقتِهم، ولا أدري كيف كانت تتدبرُ أمرَها طوال العام، فكثيراً ما كانت تُغلق العيادةَ وتستقبلُ الضيوفَ.”  

يوسف مَكِّي

كلمة الدُّكتور رياض النَّوايسة، طبيب ومحام أردنيّ ومناضل وطنيّ وقوميّ عُروبيّ وعضو سابق في مجلس النُّواب الأردنيّ

“… ولعلّي لا أبالغُ إن قلتُ إن هدى كان لها من اسمِها نصيبٌ، نصيبٌ وافرٌ من الهدايةِ في تحديدِ الهدفِ والسيرِ بخطىً واثقةٍ نحوه بكلِ السُبُلِ والوسائلِ المُتاحة، لقد كانت ذاتَ مقدرَةٍ على التركيزِ الدائِمِ دونَ الانشغالِ عمّا هو خارجٌ عن سياقِ ما تصبو إليه، وبذلك استطاعت الفقيدةُ الكبيرةُ، في وقتٍ مبكرٍ، أن تُدركَ وتحددَ دورَها الوطنيّ والقوميّ والإنسانيّ، حيث كانت شديدةَ الانتماءِ للأمةِ العربيةِ ولهُويتها وحضارتِها الإنسانيّةِ الضاربةِ في أعماقِ التاريخِ، والتي أدّت على خيرِ وجهٍ رسالتَها التاريخيةَ عبرَ العصور، مما يجعلها ذاتَ استحقاقٍ كبيرٍ للبقاء والاستمرار بأمان، ويعطيها دافِعًا قويّا لمقاومةِ أعدائها والدفاعِ عن كلِّ ما يخصُها وما هو من حقِها.”

رياض النوايسة

كلمة زملاء الفقيدة في العمل المهنيّ، الدّكتور أحمد القادري، نقيب سابق لنقابة أطبَّاء الأسنان الأردنيين وأمين عامّ سابق لاتِّحاد أطبَّاء الأسنان العرب

 “كم أشعرُ بالاعتزاز حين أجولُ في مكتبتي فأجدُ معظمَ مُؤلفاتِها مزدانةً بتوقيعِها الشخصيّ، وعلى ذكرِ المؤلفاتِ، أريدُ أن أتوقفَ عند مؤلَفَين، الأول هو “قصةُ الأسنانِ”، والثاني مؤلَّفُ “ما يشبه النضال”،  ففي الأول قدمت الكاتبةُ الفقيدةُ قصةً لأطفالِ الأمّةِ، فقامت بدورٍ تثقيفيٍّ رائعٍ وغايةٍ في الجمالِ، حيث أنها كتبت، بما معناه، أنّها تتطلعُ لرسمِ الابتسامةِ على شفاهِ الطفلِ العَربيّ، إنّ هذه النظرةَ القوميةَ تترجمُ أسلوبَ حياةٍ، ولم تكن حدثاً عاطفياً عابراً، بل كانت تعكسُ الروحَ الدافئةَ التي تسكنُ جنبيها، فطوبى لفقيدتِنا التي كرّست حياتَها لأمتّها حتى بمشروعِها التثقيفيّ، حيث لم تنسَ أن تغرسَ حتى بالطفلِ العربي العاداتِ الحسنةِ والأخلاقِ النبيلة، أما الكتابُ الثاني “ما يشبه النضال”، فقد تشرفتُ بحضورِ حفلِ إشهارهِ في المكتبةِ الوطنيةِ، حيثُ أبدعت أديبتُنا حتى بكتابةِ العنوان، وأظنُّها إشارةً متواضعةً ذكيّةً منها إلى أنّ كل ما نفعلُه تجاهَ قضيّتِنا لم يرتقِ بعدُ إلى النضالِ الحقيقيِّ الذي كانت تصبو إليهِ، بل كانت تراهُ محاولاتٍ تحاولُ التشبّهَ بالنّضالِ.”

أحمد القادري

كلمة أصدقاء الفقيدة: الرَّفيق الأستاذ أحمد جرادات، كاتب وباحث ومناضل وطنيّ وأمميّ

 “لقد عاشت هدى حياةً متلاطمةَ الأمواجِ، بأحلامِها الورديةِ وكوابيسِها السوداويةِ، وبأفكارِها “المثالية” وواقعِها المادِيّ، نعم، لقد عاشتها بصدقٍ وشجاعةٍ وبشغفِ النضالِ الحقيقيّ، لا ما يشبُهُ النضالَ، وعاشت بعشقِ الحياةِ، لا ما يشبهُ الحياة.”

أحمد جرادات

قصيدة للدّكتورة مها العتوم، شاعرة أردنيَّة، وناقدة وباحثة أدبيَّة، وأستاذة جامعيَّة تحاضر في قسم اللغة العربيَّة في الجامعة الأردنيَّة

“أنا وعدتُ بكتابةِ قصيدة، مع أنّها تستحق قصائد ودواوين، لكنني ما استطعت، لأنّ الكلامَ يحتشدُ ولا يسيل، ولأنّها ما زالت حيةً في روحي، وأفكرُ بمهاتفتها كلما اشتقتُ إليها، أو احتجت للكلامِ إلى صديقةٍ قريبة، لكنني قلتُ لها في حياتها مرة، وأعودُ أقولُها لها الآن:

هدی، یا هدی

أعيريني عينيكِ لأبكي

عيريني يديكِ لأكفكفَ دموعَ العالمِ..

المجد والخلود لروحها العالية الراقية.. وداعاً هُدى.”

الدّكتورة مها العتوم

كلمة عائلة الدّكتورة هدى فاخوري – يلقيها شقيقها، المهندس عصام فاخوري



انتقلت صديقتنا ورفيقتنا الغالية نادرة المثال، الدّكتورة هدى فاخوري، إلى رحاب الأبديَّة، وإذ ننعاها – مع الأسف – فإنَّنا نفعل ذلك بفيضٍ مِنْ مشاعرِ الحزنِ والأسى وفداحةِ الفقدِ.

أمضتْ هدى فاخوري حياتها كلَّها تخدم فكرة، وها هي الآن قد أصبحتْ هي نفسها فكرة..

وكانت حلماً جميلاً مرَّ بخاطرِ كثيرين، وها هو الحلم الآن قد انسحبَ من الجفون، لكنَّ أثره سيبقى طويلاً في نفوس كلِّ مَنْ مَرَّ بهم وفي قرارةِ وجدانِ كلٍّ منهم.

كانت هدى تجسيداً صافياً للصِّدقِ والمبدئيَّةِ والتَّفاني في خدمة القضايا الوطنيَّة والقوميَّة والإنسانيَّة العادلة ومساعدة النَّاس بلا منَّة، كانت مناضلة حقيقيَّة صلبة شُجاعة ونموذجاً خالصاً لقيمة الإنسانيَّة، ومع ذلك، حين كتَبَتْ سيرتها الذَّاتيَّة جعلتها بعنوان «ما يُشبِه النِّضال»!

ستبقى ذكراها خالدة بين ذويها وأصدقائها ورفاقها وفي سجلّ النِّضال الوطنيّ والقوميّ وفي صفحة الثَّقافة الرَّاقية والأدب الملتزم..

هي لم ترحل، ولن ترحل أبداً.. وكلّ ما جرى لها الآن هو «ما يُشبِه الرَّحيل»..

سعود قبيلات، الفيس بوك: بتاريخ 18 / 10/ 2022م