أعلى مبيعا، أكثر شهرة

هل تصدقون انه أصابتني الغيرة الأدبية من “سحارة الخيار”. عفوا، هذا ليس اسما لرواية مشهورة حصلت على أعلى المبيعات من بداية شهر رمضان الكريم، بل هي رمز مشفّر تدل على أهمية الخيار في حياتنا، فقد قرأت عشرات النقاريرالتي يكتبها المندوبون عن الخيار وارتفاع أسعاره نتيجة للتصدير، كما قرأت قرار الوزير بوقف التصدير، وقرأت أيضا تقريرا عن نزول السعر وفرح المواطنين باستقرار سعر الخيار لعدة أيام، ثم قرأت قرار اعادة التصدير، وبعد ذلك عادت الأسعار الى الارتفاع، ثم قرأت قرار العودة عن اعادة التصدير. 

وهكذا، فمنذ اسيوعين وأنا أقرأ أخبار” سحارة الخيار” على الصفحة الأولى مرة، وفي الصفحات الداخلية مرات. ولو كنت في مزاج طيب لقصصت اوراق الصحف واحتفظت بهذه القصاصات في ملف لاستخدامه عند الحاجة اذا قررت كتابة تقرير عن أهمية الخيار في حياة البشر في الصيام أو في أيام الافطار على مدار العام.

الحقيقة أنني في حالة ذهول نسبي لتصدر الخيار واجهات الصحف اليومية، وتساءلت أكثر من مرة هل الخيار مهم لهذه الدرجة؟ هل هو مهم للمزارع أم للمستهلك الصائم وغير الصائم؟ أم للحكومة كمادة استراتيجية تدر عملة صعبة؟ أم للجهات المصدر اليها كمادة استهلاكية تدل على الرفاهية؟

وتساءلت أيضا: هل الخيار أهم من البندورة والبصل والتفاح مثلا؟ لا اعرف !! وبالمناسبة اليس من الممكن استبدال الخيار بالملفوف أو الخس أو الفقوس ان وجد؟ ومن المؤكد أن صحة المواطنين لن تنحرف، ولن يتظاهروا او يحتجوا بأية وسيلة لغياب الخيار عن الموائد، أو اختفائه من صحن السلطة.

أعود للغيرة التي أصابتني، وفكرت في الكتّاب الذين يصدرون قصصا وروايات وكتب أطفال مصورة ودواوين شعر وغيرها من صنوف الابداع الثقافي، وتساءلت: هل حظيت رواية مثلا بقدر من المقالات والتقارير والأخبار التي تعلن عن صدورها، على واحد بالمائة مما حصلت عليه رواية “سحارة الخيار”؟. وتمنيت لو أستطيع أن أكتب رواية تكون مادنها الأساسية ” الخيار”، ولكني تذكرت أنها ستكون دون طعم لأن الخيار، في الحقيقة، دون طعم، فلا هو بالحامض أو الحلو أو المالح أو المر أو اللاذع أو غير ذلك من ” الطعم” الذي نتذوقه، ومع هذا فهو يحظى باهتمام بالغ من المزارع والمستهلك والحكومة، والأطفال أيضا، فقد لاحظت أن الأطفال يحبون أكل” لب الخيار” حتى وهم في عمر صغيرة، ولم أعرف حتى الساعة، سر الخيار الذي حيرني وجعلني أفكر في سر الشهرة لهذه المادة الحيادية المائعة، وقلت ذات مرة: أن الشهرة “فعل مجنون، فلا يدري المشهور من أين حصلت له هذه النعمة التي تهبط على عباده من ” غامض علم الله”. وهناك من يضيق بالشهرة ويعتبرها قيدا على حريته، وهناك من يبذل جهودا جبارة وخارقة للحصول على” شوية شهرة” يتباهى فيها أمام من يرغب في ابهارهم. 

لست في عجلة من أمري، فلم أتبين بعد لماذا يشتهر الخيار ويصبح حديث الصحف ووسائل الاعلام، ولم يحظ غيره من الخضار أو الفواكه بمثل شهرته عندما تغيب عن الموائد أو يرتفع سغرها؟

هل هو اللون الأخضر؟ أم كثرة المياه في تركيبته الغريبة؟ أم اسمه المميزالذي يوحي للسامع أو المستهلك لا فرق، انه يختار شيئا في حياته دون ضغط من أحد؟ هذا الخيار المشهور “بأصابع البوبو” يسيطر دون سبب ظاهر أو خاف، وقد بكون هذا هو السبب، عدم خطورة الخيار!!

أعدكم أن فكرة كتابة قصص قصيرة عن ” سحارة الخيار” تراودني منذ بدأت أقرأ مسلسل ” الخيار الممنوع من التصدير”. وأود لو أخبركم أن كتابي الذي صدر منذ بداية بث مسلسل” الخيار” تقريبا

لم يحظ الا بثلاث تقارير تعادل واحد بالمائة من تقارير مسلسل” الخيار السعيد” ولكني لا أرغب في الترويج للكتاب لأن هذا لا يليق، وأود أن آخذ بعين الاعتبار أن الخيارمادة استراتيجية هامة تستحق كل ما كتب عنها وما سيكتب قريبا، اما الكتب فما هي قيمتها؟ ولماذا يشتهر الكتاب؟ فالشهرة لا تأتي الا لمن يستحقها، وقد استحقتها “سحارة الخيار” عن جدارة!!

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *