الدستور 2011/12/6
قال الزميل يفتخر بابنته الصغيرة: انها تتكلم بالفصحى، وهو سعيد بذلك، سألته: من أين اكتسبت ابنته هذه الملكة وهو يتكلم بالعامية عادة؟ أجاب: انها احدى الفضائيات المخصصة للأطفال قبل عمر الدراسة، وأضاف انه يرى أن الأطفال اذا راقبوا هذه المحطة، فهي بديل جيد عن المحطات الأخرى التي تقدم أفلام “الكرتون الآكشن”، وهي أيضا قد تكون بديلا للحضانة التي لا يستطيع معظم الآباء تحمل مصاريفها الباهظة.
سررت بما قاله الزميل، وسمعت فيما بعد نفس الكلام من أكثر من صديقة تمتدح خطة المحطة التلفزيونية الموجهة للبراعم الصغيرة.
بنفس الأسبوع أيضا شاهدت برنامجا استضاف الشاعر فاروق شوشة وهو يتحدث عن اللغة العربية، وعن دور مجامع الغة العربية في تطويرها. وأهم ما قاله فاروق شوشة هو: ان اتقان العربية يحتاج لمعرفة عشرة قواعد فقط، ومن يحفظها ويطبقها من الطلاب يستطيع أن يتكلم ويقرأ ويكتب بلغة عربية سليمة.
وشاءت الصدف أن أكلف بقراءة عشرات القصص والمقالات لطلاب وطالبات مدارس أهلية، وذلك لفرز افضل القصص والمقالات. وقد وجدت بين هؤلاء الطلاب والطالبات من هم قادرون على الكتابة بلغة عربية سليمة، ولكنهم ليسوا أغلبية، وهم طلاب من مدارس متميزة.
وصلت الى نتيجة، أننا بحاجة للاهتمام بالأطفال قبل عمر الدراسة، وفي الحضانة، وفي المدارس الابتدائية بشكل خاص، لاتقان اللغة العربية. وهذا يعني أن تقام ورشات عمل ودورات متخصصة لمدرسي ومدرسات اللغة العربية، تعقدها وزارة التربية والتعليم، بالتعاون مع الجامعات والمؤسسات القادرة على وضع البرنامج الخاص بتطوير ملكات المدرسين، ليكونوا بالتالي قادرين على تعليم اللغة العربية الحديثة السهلة القابلة للاستخدام في كل المناسبات.
من جانب آخر، نأمل ان تهتم جهة ما، بالاعلانات التي تعتبر أن تكسير اللغة يمنح الاعلان صفة التميز، وهذا تميز غير صحيح، فهناك اعلانات تثير حساسية عند مشاهدتها على الفضائيات، او عند قراءتها، فهي تخدش السمع، ولا تؤدي الا الى ترويج كلمات وجمل غير مستساغة.
أما كتابة ” الآرمات” باللغات الأجنبية، وبخاصة باللغة الانجليزية، فهي قصة اخرى، فما الحاجة لتسمية المطاعم التي يرتادها الأردنيون والعرب، وقلة من الأجانب، بأسماء أجنبية؟ يكفي ان يكتب كلمة “مطعم” باللغة الأكثر رواجا، وهي اللغة الانجليزية في بلادنا، او وضع اشارة الشوكة والسكين تحت الآرمة، ليستدل الأجنبي على المطعم. ومن عجائب الصدف ان هذه الظاهرة أقل بروزا في مطاعم النجوم الخمس التي يرتادها الأجانب، بشكل خاص، فمعظم هذه المطاعم لها تسميات عربية من التراث او مسماة بالعربية الفصحى. وهذا اسلوب حميد يشكرون علية.
اللغة هي وعاء التفكير، والاعتزاز باللغة انتماء للوطن، ومعرفة اللغات الأخرى، ثقافة ومعرفة ايضا، ولا يجوز أن تكون بديلا عن اللغة الأم.
لدينا أمل أن يتغير اسلوب التفكيرالذي يعني أن اللغة العربية لم تعد قادرة على حمل التطور التكنولوجي، هذا تعبيرغير دقيق، وهو تفكير العاجزين، فهناك لغات أقل يكثير من لغتنا القابلة للاشتقاق، والتعريب، وخلق المترادفات، وهضم الكلمات الأعجمية ودمجها في نسيج اللغة العربية.
اقول هناك لغات اقل بكثير من لغتنا ومع هذا، يعتز اصحابها بلغتهم ويتحدثون بها في المحافل الدولية
دون خجل أو احساس بالدونية.
اللغة كائن حي، ينمو ويتطور بالرعاية والاهتمام من أهلها الذين لن يكون لهم وجود فعلي على هذا الكوكب، الا باحترام لغتهم التي هي وعاءهم الفكري.