إرادة الشارع وفاطمة

الدستور 2011/1/16

لا تستطيع أن تهرب مما يجري في أي جزء من الوطن العربي، فقد أصبح ما يجري في هذا الجزء العزيز من الوطن، تونس الخضراء، هو شغلنا الشاغل، توقفت كل النشاطات الروتينية، وأصبحنا نأكل ونشرب وننام على وقع الأخبار، نخاف أن لا نسمع طرف خبر، مع أنهم يعيدون الخبر عشرات المرات في كل ساعة.

قفزت فاطمة إلى الواجهة، فاطمة التونسية بقامتها الفارعة، وذكائها الحاد، وقدراتها الصحفية المميزة، أتذكرها تجلس هنا في بيتنا في عمان وكأننا تربينا في نفس البيت، قالت: على الرغم من أنني أراك للمرة الأولى في حياتي، إلا أننا نتكلم نفس اللغة، وننطق التعبير ذاته، خصوصا ما يتعلق بالقضايا العامة التي تخص الوطن العربي.

حضرت فاطمة إلى عمان بمهمة صحفية، لنا صديقة مشتركة أعطتها اسمي وعنواني، قابلتها عندما حادثتني، منذ اللحظة الأولى أدركنا أننا نتكلم نفس اللغة، لنا نفس الأفكار، ونحمل نفس التوجهات، وقد تبين لنا فيما بعد أننا تربينا في بيتين لهما نفس التوجه السياسي.

أين أنت يا فاطمة الآن؟ أنا أعرف انك في قلب الأحداث، وقد أرسلت لك الآن رسالة عبر الايميل، 

 ولا أدري ان كانت الاتصالات الالكترونية تصل إليك في هذا اليوم التاريخي لتونس وللوطن العربي.

عندما يذكر اسم تونس أمام المواطن العربي، يقفز أمام العينين، أبو القاسم الشابي، واللون الأخضر،

فالأخضر يعني لأي كائن، الحياة والجمال والاستمرار على هذه الأرض. أما أبو القاسم الشابي، فقد أصبح جزءا من ذاكرة المواطن العربي، يا الله ما أعظمك يا لغتي، بيت شعر واحد يتحدث عن إرادة الشعوب، يخلد شاعرا في ضمير الأمة، “إذا الشعب يوما أراد الحياة… فلا بد أن يستجيب القدر”.

وقد استجاب القدر، وقد عاد الشابي حيا يرزق في أذهان كل من سمع بهذا البيت، الذي بناه الشابي

الذي حمل روحة على راحته قبل عقود، وبشّر بالحياة الحرة الكريمة لمن يضحي بحياته من أجل الحرية.

هي إذن معادلة لا تخيب، التضحية من أجل الحرية بالحياة، وتوفر الإرادة الحرة عند الشعوب لتتحقق الحياة.

كم شابا قضى ليعيش شباب غيره حياة كريمة؟ لهفي عليهم وعلى أمهاتهم!! ولكن، كم رجلا وامرأة وأسرة تونسية فقدت الأحباء في العقود السابقة، من أجل فكرهم أو رؤيتهم التي تتناقض مع رؤية الحاكم؟ 

أخيرا نقول: نأمل أن يكون ما جرى يا فاطمة التونسية الباهية، بداية موفقة لحياة كريمة عنوانها،

الحرية، العدالة، المساواة أمام القانون، لكل المواطنين الذين يستحقون التحية والاحترام والمحبة.

نعم المحبة لكل من ساهم في التغييرالذي يستحقه الأحرار.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *