اللحظة الحرجة

الدستور 2011/1/23

تمر في حياة الانسان لحظة حرجة تغيّر مسارها، أحيانا يكون التغيير ايجابيا، وفي مرات أخرى تنقلب الأقدار وتصبح الحياة قاسية تحتاج الى ارادة من فولاذ لتستمر.

وكما يحدث في حياة الأفراد، ينطبق على مصائر الشعوب. فهناك لحظة حرجة مرت في حياة معظم شعوب الأرض أدت الى بزوغ الأمل الذي كان غائما قبل تلك البارقة التي لا تنتمي الى المنطق اذا قررنا اخضاعها له.

وها نحن نعيش هذه اللحظة الحرجة التي أدت الى التغيير في بلد عربي شقيق وعزيز على قلوبنا.

في التحليل المنطقي لحادثة حرق الشاب التونسي نفسة، فهي حادثة كانت من الممكن أن تمر دون أن تترك أي أثر على مسار الحياة اليومية للمواطن التونسي أو النظام الحاكم، ولكن هناك لحظة حرجة، بل قل: هناك لحظة قدرية أدت الى أن يلتقط الناس هذا الحدث ليصبح مركزيا، بحيث أدى الى تفاعلات شبه كيميائية خلقت مركبا جديدا أدى الى انفجار الشارع، مما جعل حادثة العنف التي نعرض لها البوعزيزي وقراره القدري بحرق نفسة ووفاته، بل قل: استشهاده.. بؤرة الحدث الذي خلع الحاكم، وراكم الحقد الدفين في ضمائر المواطنين الذين ذاقوا مرارة الحرمان لعقود. 

ولن تتكرر هذه الحادثة بنفس الصياغة والمسار في أي مكان آخر، لأن شرط اللحظة الحرجة لا يتكرر بنفس الأدوات، مهما كانت عظمة الحدث الذي خلّقته تلك اللحظة الحرجة في ذلك الزمان، وفي هذا المكان. 

ولكن، هناك أحداث لها صدى، والصدى “يدوش” . ويخلق ردود فعل مختلفة، وهذا ما جرى في أكثر من مكان في الوطن العربي وفي الخارج، وقي ظني أن أهم صدى دوّى هو أن  جملة ” ما فيش فايدة، ماتت الأمة”، قد اختفى من قاموس اليائسين وشبه اليائسين، وحل محله القول الذي لا يشبه اليقين، دعونا ننتظر ونرى النتائج، لا تفرطوا في الأمل، فقد تكون النتائج عكس ما يُرتجى. 

لا بأس لندعهم يتمتعون في شكّهم القانل، ولنذهب، نحن المتفائلون، الى العمل، نعم العمل.. من أجل أن نحبط رؤيتهم وشكهم، ولنعش لنراكم الخبرات من خلال رؤيتنا المتفائلة، لعلنا نحصد بعض ما طالبنا به لمصلحة المواطن الذي ينتظرانعكاس ما يجري على تحسين شروط حياته، وهي ليست منّة،

بل هو حقة في حياة حرة كريمة، وهذا ما يؤمن به معظم الشباب والشابات الذين يجوبون الشوارع للتعبير عن أهمية أن يُسمع صوتهم العقلاني، فهم يبغون العدالة الاجتماعية، كذلك يطالبون بحقهم في التعبير الحر في كل شؤون الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. دون اقصاء لأي رأي. 

لا بد من حلول لقضايا الفقر والبطالة والجوع والغلاء الذي يرزح تحت نيره الملايين، والحلول الفردية لا تجدي، ولا بد أيضا من تفسير مقنع لقضية ارتفاع الديون التي مُررت الاتفاقية مع العدو الصهيوني من أجل الغائها، قبل عقد ونصف، ولم تنقص الديون بل زادت.

لنعد الى اللحظة الحرجة، أو اللحظة العبقرية، الني تمر لمرة واحدة في حياة الأفراد، أو الشعوب،

هي لحظة ثمينة، لا بد من اقتناصها كما يقتنص الصياد لقمة عيشه من بطن البحر أو من طيور السماء أو من أنعام الأرض. أمنا التي منحتنا الحياة، وستمنحنا أيضا الكرامة وطيب العيش اذا أخلصنا لها وحررناها من الظالمين والمفسدين. 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *