
عام 1955
فيسبوك 27 أكتوبر 2020
أربعون يوماً مرّت على رحيل الشقيقة، وحوالي سبعة عقود مرّت على قصة الحب التي ربطتها برفيق عمرها يعقوب.
هند ويعقوب قصة حب تشبه قصص أيام زمان، كُنتُ في العاشرة من عمري عندما كنتُ أرافق هند في مشاويرها. كانت أختي هند، بكر أمي وأبي شابة جميلة، بيضاء البشرة ذات خدود زهرية وشعر خروبي يميل للأشقر، ممشوقة القوام ومبتسمة دائماً. كانت أمي تحرص على أن لا تذهب هند إلى السوق أو لزيارة صديقاتها أو إلى الكنيسة إلا إذا رافقتها أنا أو شقيقتي. لكن هند كانت تحب أن أرافقها في معظم الأحيان.
كُنتُ أسير بقربها وهي تمسك بيدي، هي الفتاة الجميلة الأنيقة المتباهية بنفسها ذات الشعر الطويل المُعتنى به، ليبدوا مرسلاً ومجعداً أو مكوياً في أطرافه، على موضة تلك الأيام، وأنا الأخت الصغيرة السمراء النحيفة ذات الشعر المربوط، غالباً على شكل ذيل الفرس. كنتُ ألاحظ وأسمع كلمات الإعجاب من الفتيات والشباب الذين نمر بقربهم. كان لها معجبون كثر، وكثيراً ما كان يأتي لخطبتها شباب من الأقارب أو الأغراب، وقد تغيّرت الظروف عندما ظهر يعقوب، ابن خالتنا، ليطلبها للزواج، لكن أمي رفضت، لأنها كانت تريد أن يكون نصيبها من شخص مستقر من الناحية المادية أكثر من ابن أختها الذي لم يكن يعمل في تلك الفترة.
ثم تغيرت الظروف مرةً أخرى بعد هذه الحادثة، وأصبحت الرقابة على هند أشد. قرر المحب أن يراقب بيتنا معظم الوقت واقفا على مدخل الشارع، نمر بالقرب منه ولا نحدثه، وهو لا يتحدث معنا، لكنه يُرسل المراسيل لهند مع القريبات، يبثها حبه لها، ويؤكد أنه لن يسمح لأي خاطب أن يقترب من بيتنا.
تأتي خالتي تمام لتزور أمي وتحاول أن تستعطفها لتوافق على خطبة يعقوب لهند، لكن أمي تتعنت وتقول لها: كيف بدي أعطيها لشاب لا يعمل، كيف بدها تعيش، كانت خالتي مؤمنة وتجيبها: الرب لا يترك المؤمنين. لكن أمي لا تقبل، وتخرج خالتي دامعة العينين مكسورة الخاطر.
بدأتُ ألاحظ ميل هند ليعقوب من خلال القريبة التي تزورنا كثيراً تحمل الرسائل الشفوية من يعقوب لهند.
كنا نسهرُ ليلا ً تحت الدالية، ويأتي الأقارب لشرب الشاي مع والدي وأشقائي، وفجأة يدخل شخص من طرف يعقوب ليعرف من هم ضيوفنا خصوصاً إذا كان عندنا أغراب. كان يعقوب يرسلهم ليعرف الأخبار، وإذا أحس بنية أحدهم بالاقتراب لخطبة هند، يُرسل من يؤكد له أنها مخطوبة!
وفِي يوم صيفي قائظ رأينا رجالاً من العائلة يسيرون باتجاه بيتنا، دخل الرجال بالعشرات، وقالوا لوالدي لن نشرب قهوتكم إلا إذا لبيتم طلبنا، وكانت هذه هي الجاهة التي تبرعت لطلب هند ليعقوب بعد أن لاحظوا أنه يستميت من أجلها.
وهكذا كان، وأصبح يعقوب الخطيب الذي يتردد على بيتنا يومياً بقوة الحب والإصرار.
لهما الذكر الطيب كأحلى زوجين عاشوا معنا وعشنا معهم. ولبنات هند ولابنها خالد والحفيدات والأحفاد العمر المديد والحياة الهنية.