فيسبوك 15 نوفمبر 2020
أصبحنا مكشوفين أمام الأجهزة، ليس هناك ما يستر حياتنا في البيت وفي الشارع وفي العمل، نحن قبِلنا هذا الذي يجري، نحمل التلفون العزيز على قلوبنا في كل مكان، ونحن نعلم سلفاً أن هذا “الجاسوس الصغير”، يفضح مكان وجودنا ويُعلم أصحاب الشأن أننا موجودون في المكان الفلاني مع فلان أو فلانة.
لسنا بالذكاء المتوسط لنترك الموبايل في البيت إذا رغبنا في التمويه مثلاً، ونًُصِر على إعلامهم ” ذوي الشأن” المهتمين بتحركاتنا، أن يرصدونا ويعرفوا مع من نجلس وندردش في شؤون الأدب والسياسة والعمل والاستغابة والشتم، للفاسدين من الذين وصلوا إلى مناصبهم، أصلاً، بفضل فسادهم!
وعند إجراء المكالمات التلفونية عبر الموبايل لا نتورع في بث الأسرار للأصدقاء والصديقات، وكأننا لا نُدرك أن كل هذا مُسجل في صفحتك الإلكترونية على الشبكة الشريرة التي تسمع وترى وتسجل دون أن يرف لها جفن إلكتروني.
وها أنا أكتب على صفحتي وأنا أعرف أنّ، كل همسة مرصودة ومسجلة، وسيذكّرني الفيس بوك بعد سنة ماذا كتبت، وكأنه يقول لي: وين رايحة؟ إحنا عارفينك يا ست.. كله مسجل عندنا!
هم شايفينا وعارفينا وعاجنينا ومقرصينا، ” التقريص أهم خطوة بعد العجن وقبل الخَبِز”، وخابزينا وماكلينا حاف أو مغمسين بالدم، حسب شهية الذي يأكل.
هذه هي حياتنا، وقد أُضيف، أنهم يعرفون أمراضنا وأدويتنا التي نشتريها بالبطاقة، وإذا مرضنا بالكورونا، ” لا سمح الله” ، فيُسجل اسمنا في سجل شرف السيدة المبجلة الفيروسية المحترمة، كورونا الحقيرة!
ماذا بعد؟ كيف نعيش فيما تبقى من عمر، بحرية، دون كشف أسرارنا الصغيرة التي لا نرغب في أن يرانا من لا يهمنا أمرهم، ماذا نأكل أو نشرب أو نتحدث أو نصادق أو نقرأ أو نكتب أو نكره أو نشتم أو نحب، هذا أهم بند في خياراتنا، يريدون أن يعرفوا من نحب، وسيفشلون عندما يتأكدون أن من نحب قد رحلوا عن هذا العالم المرئي إلى عالم غير مرئي، لأن أجهزتهم المتطورة لن تدخل إلى سويداء القلب وإلى أعماق الدماغ لتعرف هذا السر الجميل في حياة كل كائن حي. فاحذروا يا أولي الألباب، فأنتم ليسوا بأحرار!