لا تمييز ولا تميّز

فجأة، يطفو على السطح موضوع يخصنا، يخص المجتمع الأردني، اذ يصدر عن جهة أمريكية ما يفيد أن هناك تمييزا ضد العرب المسيحيين في الأردن.

هذا ضد حقوقنا كمواطنين أردنيين، فنحن لا تقبل أن نفصل عن جسم المجتمع الأردني بسبب الدين، نحن مواطنون أردنيون متساوون في الحقوق والواجبات. ولا يجوز أن يميّز لصالحنا أو ضدنا من أي جهة محلية أو عالمية.

هذا غير عادل.. فتقسيم المجتمع غلى أساس ديني مرفوض بكل المقاييس، وهذه الموضة، موضة فصل خقوق المرأة عن حقوق المجتمع، مثلا، واعتبارها جسما منفصلا لها حقوق مختلفة عن الرجل، هو تمييز سلبي غير مقبول، فالمرأة والرجل  كلهم أبناء مجتمع واحد، من المطلوب أن يكون لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات كمواطنين اعطاهم الدستور هذه الميزة، اذ أن ” الأردنيون أمام القانون سواء “، فلماذا نقبل كنساء أو رجال أو كمواطنين مسيحيين أو مسلمين أن يُميز لصالحنا في قضية ما؟ على جميع المواطنين أن يناضلوا سوية  من أجل تحسين شروط الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية للجميع.

وفي ظني أنه لايمكن أن يكون مصلحة للمرأة مختلفة عن مصلحة الرجل، أو مصلحة لأي من الطرفين مختلفة عن مصلحة المجتمع. اذا صلح المجتمع حصل الجميع على حقوقهم كاملة غير منقوصة.

نحن، الأرنيون بكل فئاتنا، بغض النظر عن الدين والجنس والعرق أو التوجه السياسي، نطالب بأن لا تتدخل أي جهة مهما كانت قوتها المادية أو المعنوية في شؤون حياتنا، ولا نقبل أن نُجزأ او نُقّسم على أي أساس، ولدينا من الامكانيات الذهنية والعقلية والمؤسساتية من نقابات وجمعيات ومؤسسات حزبية، ما يكفي لخلق المنظمات المناسبة  لتطوير الجراك الاجتماعي الثقافي الذي سيعمل على تفعيل الحياة السياسية بما يضمن حياة ديموقراطية سليمة اذا اكتملت شروط الحرية والعدالة  الاجتماعية والمساواة.

مطلوب من هذه المؤسسات الوطنية أن ترد على من يختلق المناسبات لفصل المواطن الأردني الذي يدين بالمسيحية العربية، عن المواطن الأردني الذي يدين بالاسلام، فالعروبة قادرة على استيعاب الدينين السماويين، والاسلام قادر على استيعاب الاختلاف العرقي الذي يميز المجتمع الأردني.

العروبة والاسلام هما قدرنا، وهما اللذان يضمان تحت جناحيهما كل من ارتضى العروبة كهوية، وارتضى الاسلام او المسيحية العربية دينا له. 

لن يشكو المواطن الأردني من الفقر او البطالة لأي جهة خارج حدود الوطن، واذا اشتكى المواطن او جاع او فقد وظيفته، او لم يحصل على وظيفة اصلا، او ابتُلي بمرض، فالمجتمع الأردني قادر على العمل من أجل ان يحصل المواطن على حقه بالوسائل السلمية المتاحة، وعلية ان يناضل من اجل نيل حقوقه، فاللجوء الى القانون والعمل من أجل ان تكون المؤسسات الوطنية فاعلة، يحمينا،

 ولن نقبل ابدا مهما كانت الظروف، اللجوء الى ابواب المؤسسات الدولية المشبوهة لنحصل على حقوقنا. 

نحن أبناء الوطن لن نقبل أبدا فصلنا عن جسم الوطن الواحد، ولم نفوّض أيا كان أن يتحدث باسمنا.

لن نقبل التميّز او التمييز من اي جهة، ولن يكون لأردني أي تمييز على أردني الا بالانتماء والعمل من أجل المساواة لكل المواطنين كحق يناضل من أجله كل الشرفاء.

أعلى مبيعا، أكثر شهرة

هل تصدقون انه أصابتني الغيرة الأدبية من “سحارة الخيار”. عفوا، هذا ليس اسما لرواية مشهورة حصلت على أعلى المبيعات من بداية شهر رمضان الكريم، بل هي رمز مشفّر تدل على أهمية الخيار في حياتنا، فقد قرأت عشرات النقاريرالتي يكتبها المندوبون عن الخيار وارتفاع أسعاره نتيجة للتصدير، كما قرأت قرار الوزير بوقف التصدير، وقرأت أيضا تقريرا عن نزول السعر وفرح المواطنين باستقرار سعر الخيار لعدة أيام، ثم قرأت قرار اعادة التصدير، وبعد ذلك عادت الأسعار الى الارتفاع، ثم قرأت قرار العودة عن اعادة التصدير. 

وهكذا، فمنذ اسيوعين وأنا أقرأ أخبار” سحارة الخيار” على الصفحة الأولى مرة، وفي الصفحات الداخلية مرات. ولو كنت في مزاج طيب لقصصت اوراق الصحف واحتفظت بهذه القصاصات في ملف لاستخدامه عند الحاجة اذا قررت كتابة تقرير عن أهمية الخيار في حياة البشر في الصيام أو في أيام الافطار على مدار العام.

الحقيقة أنني في حالة ذهول نسبي لتصدر الخيار واجهات الصحف اليومية، وتساءلت أكثر من مرة هل الخيار مهم لهذه الدرجة؟ هل هو مهم للمزارع أم للمستهلك الصائم وغير الصائم؟ أم للحكومة كمادة استراتيجية تدر عملة صعبة؟ أم للجهات المصدر اليها كمادة استهلاكية تدل على الرفاهية؟

وتساءلت أيضا: هل الخيار أهم من البندورة والبصل والتفاح مثلا؟ لا اعرف !! وبالمناسبة اليس من الممكن استبدال الخيار بالملفوف أو الخس أو الفقوس ان وجد؟ ومن المؤكد أن صحة المواطنين لن تنحرف، ولن يتظاهروا او يحتجوا بأية وسيلة لغياب الخيار عن الموائد، أو اختفائه من صحن السلطة.

أعود للغيرة التي أصابتني، وفكرت في الكتّاب الذين يصدرون قصصا وروايات وكتب أطفال مصورة ودواوين شعر وغيرها من صنوف الابداع الثقافي، وتساءلت: هل حظيت رواية مثلا بقدر من المقالات والتقارير والأخبار التي تعلن عن صدورها، على واحد بالمائة مما حصلت عليه رواية “سحارة الخيار”؟. وتمنيت لو أستطيع أن أكتب رواية تكون مادنها الأساسية ” الخيار”، ولكني تذكرت أنها ستكون دون طعم لأن الخيار، في الحقيقة، دون طعم، فلا هو بالحامض أو الحلو أو المالح أو المر أو اللاذع أو غير ذلك من ” الطعم” الذي نتذوقه، ومع هذا فهو يحظى باهتمام بالغ من المزارع والمستهلك والحكومة، والأطفال أيضا، فقد لاحظت أن الأطفال يحبون أكل” لب الخيار” حتى وهم في عمر صغيرة، ولم أعرف حتى الساعة، سر الخيار الذي حيرني وجعلني أفكر في سر الشهرة لهذه المادة الحيادية المائعة، وقلت ذات مرة: أن الشهرة “فعل مجنون، فلا يدري المشهور من أين حصلت له هذه النعمة التي تهبط على عباده من ” غامض علم الله”. وهناك من يضيق بالشهرة ويعتبرها قيدا على حريته، وهناك من يبذل جهودا جبارة وخارقة للحصول على” شوية شهرة” يتباهى فيها أمام من يرغب في ابهارهم. 

لست في عجلة من أمري، فلم أتبين بعد لماذا يشتهر الخيار ويصبح حديث الصحف ووسائل الاعلام، ولم يحظ غيره من الخضار أو الفواكه بمثل شهرته عندما تغيب عن الموائد أو يرتفع سغرها؟

هل هو اللون الأخضر؟ أم كثرة المياه في تركيبته الغريبة؟ أم اسمه المميزالذي يوحي للسامع أو المستهلك لا فرق، انه يختار شيئا في حياته دون ضغط من أحد؟ هذا الخيار المشهور “بأصابع البوبو” يسيطر دون سبب ظاهر أو خاف، وقد بكون هذا هو السبب، عدم خطورة الخيار!!

أعدكم أن فكرة كتابة قصص قصيرة عن ” سحارة الخيار” تراودني منذ بدأت أقرأ مسلسل ” الخيار الممنوع من التصدير”. وأود لو أخبركم أن كتابي الذي صدر منذ بداية بث مسلسل” الخيار” تقريبا

لم يحظ الا بثلاث تقارير تعادل واحد بالمائة من تقارير مسلسل” الخيار السعيد” ولكني لا أرغب في الترويج للكتاب لأن هذا لا يليق، وأود أن آخذ بعين الاعتبار أن الخيارمادة استراتيجية هامة تستحق كل ما كتب عنها وما سيكتب قريبا، اما الكتب فما هي قيمتها؟ ولماذا يشتهر الكتاب؟ فالشهرة لا تأتي الا لمن يستحقها، وقد استحقتها “سحارة الخيار” عن جدارة!!

أحلام فتيات مشاكسات

يقفن على حافة سور الدار، حيث تتدلى أزهار الياسمين البيضاء من الجهة اليمنى، وتغطي جزءاً من السور، كما تغطي بعض أغصان الدالية  الجهة اليسرى.

تقف الشابات الصغيرات بضفائرهن المجدلة يتحدثن ويضحكن بصوت عالٍ، يثرن الضجيج والمرح مساء، قبل غروب الشمس بقلبل.

يمر أمام السور الرجال والنساء، فيلاحظون وجود الفتيات المشاكسات الصاخب، يبتسمون لهن، ولكن الفتيات ينفجرن ضاحكات، فيبدو ضحكهن وكأنه نوع من الاستهزاء بالمارة. تلاحظ احدى النساء ما يجري، فتنهر الفتيات قائلة لهن: عيب يا صبايا، لا يليق بالبنات الضحك بصوت عالٍ، 

يزداد ضحك البنات وصخبهن، ولا يأبهن للملاحظة، يسير المارة بطريقهم ويختفون بعد عدة خطوات باتجاه طلعة ترابية حادة الى اليمين من حافة السور الغربية، فتتنهد هيام صاحبة الشعر القصير الوحيدة قائلة: من تحفظ بيت شعر من الغزل سأهديها وردة..! تقول فريال: بسيطة أنا أحفظ هذا البيت” فوددت تقبيل السيوف لأنها… تقاطعها ريما قائلة: اياك أن تكملي.. ممنوع التحدث عن التقبيل على قارعة الطريق، تقول ليلى: هذا البيت موجود في كتاب المطالعة، وعلى فكرة هو يريد تقبيل السيوف فقط.  تحاول فريال اكمال بيت الشعر قائلة” لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم”

 الله .. الله.. هتفت ليلى: هذا بيت شعر جميل، من تستطيع قول بيت شعر يبدأ بحرف الميم،

” ما كل ما يتمنى المرءٌ يدركه…تجري الرياح بما لا تشتهي السفن” تنشد ريما، فتصيح فريال أريد وردة من هيام، أين وردتي؟ تركض هيام خلف الدار وتقطف برعم ورد على وشك التفتح وتعود لتنضم الى فريق الفتيات المشاكسات قائلة: هذا ما وعدتك به، دعونا نكمل، علينا أن نقول بيت شعر يبدأ بحرف “النون” قبل أن تغرق سفينة ريما. انعام ماذا لديك؟ هل تحفظين شعرا؟ هو بيت شعر يبدأ بحرف النون لا أحفظ غيره سأقوله ورزقي على الله: قولي ولا تهابي تشجعها هيام..

تقول: نسي الطين أنه طين حقير.. فصال تيها وعربد——-وكسا الخز جسمه فتباهى.. وحوى المال كيسه فتمرد. صاحت ليلى : لا أصدق أن انعام تحفظ هذا الشعر..! كيف حصل وحفظته؟ هذا شعر يردده أخي دائما فحفظته من كثرة ما سمعته. على فكرة ما معنى كلمة ” الخز”، يمكن أن يكون معناها ” الحرير”. عفاك يا انعام. هل نكمل يا فتيات؟ تسأل هيام؟ تقول ليلى هل هي حصة عربي ؟ أنا افضل الغناء.. يمر في نفس اللحظة رجلان يلبس أحدهما طربوشا على رأسه: ينظران الى الفتيات مليا، فيتحدث لابس الطربوش موجها الكلام لهيام صاحبة الشعر القصير قائلا: أنت يا فتاة، بأي صف تدرسين؟ أجابت هيام: أنا في الصف السادس. يقول لها: أنت ستصبحين مشهورة وغنية..!

يتعالى صوت الفتيات قائلات بسخرية: يا سلام .. هذا الرجل يقرأ البخت، وأنا يا عم .. أنا ماذا سيحصل معي؟ تسأل فريال: فيجيب الرجل: ستقطعين بحورا ثم يصمت.. وماذا بعد؟ لا أدري غير هذا يا فتاة. ويكمل الرجلان طريقهما، ويختفيان خلف زاوية السور سائران باتجاه الطلعة الحادة.

يخيم الصمت هنيهة على الفتيات، ولكنهن يبدأن فجأة بالغناء.. ” جدلي يا ام الجدايل جدلي.. وافرحي واتهني وخللي الجد الي.. والله يا حلو مهما جدً لي .. بتظل المحبوب وما عنك غنى..

ينفجرن ضاحكات وتتسائل انعام: مين المحبوب اللي ما عنه غنى..؟

تجيب ليلى المحبوب الذي لا غنى عنه في هذه اللحظة… هو.. رغيف الخبز.. أنا جائعة الآن.. أريد أن آكل. 

ماذا لديكم يا هيام؟ 

تجيب هيام : لا أدري.. ولكن انا متأكدة من وجود الخبز واللبنة والزيتون.

تقول ريما: عندنا في البيت بقايا كعك، خبزتها امي بالأمس.

تصيح ليلى: هاتو أي شىء أريد أن آكل الآن..!

تأكل الفتيات، ولكنهن لا ينسين ما قاله الرجل الذي يلبس الطربوش. 

يقلن لهيام: اذا صدق قارىء البخت الغريب، هل ستتذكرين صديقاتك؟

تجيب هيام طبعا طبعا، عندما أصبح مشهورة، سأقول لمن يسألني أنكن كنتن صديقاتي.

يتساءلن: هل هذا كل شىء؟

تجيب هيام: اذا أصبحت غنية.. سأشتري لكل واحدة منكن بكلة لربط الشعر، يهجمن على هيام قائلات: يا بخيلة، نريد نقودا لا بكلاً..

تصيح بصوت عال: حاضر، سأرسل لكل واحدة مليونا، ولكن لا تضغطن عليً فإذا مت الآن، فلن تحصلن على مليم واحد من النقود.

يزداد صخب الفتيات وضحكهن، تأتي أم هيام وتقول: يكفي يا بنات.. ماذا جرى لكن؟ قليل من الهدوء الآن. 

تنادي أم انعام على ابنتها وتدعوها للعودة الى البيت. 

تتفرق الصديقات على أمل اللقاء في المدرسة.

بقلن لفريال: اذا سافرت لا تنسِِ هذا المساء، ثم ارسلي عنوانك لهيام لتحصلي على مليونك. 

دون رسالة

   أقيم معرضاً لكتاب صدر عن مؤسسة “حوش” ،الفن الفلسطيني مؤسسة الثقافات الثلاث وبدعم من القنصلية الأسبانية العامة في القدس ، لأربعين فنانة فلسطينية في مؤسسة شومان للفنون . وفي المدخل هناك عنوان فرعي وهو ” الأرض = الجسد=الرواية .

من يذهب للمشاركة يتوقع أو يعتقد أن الهم الفلسطيني يسكن الفنان الفلسطيني ، ولكن ، المفاجأة كانت أن هذا الكتاب ليس معنياً بما يجري في فلسطين ، بل لنقل أن ما أختير من أعمال الفنانات الفلسطينيات لا يعبر أبداً عما يعيشة الشعب الفلسطيني منذ ستين عاماً .

        كانت صدمة لمن تصفح الكتاب أن يرى صوراً شبه تجريدية ، شبه عري، شبه فن ، اللهم إلا من صفحتين أو ثلاث يظهر فيها أن فلسطين موجودة في فن فناناتنا .

        وعندما بحث المهتمون عن هذه المؤسسة “الحوشية” تبين أن هناك من يمول مثل هذا التوجه في فن الفنانات ، ويمول مثل هذه الكتب حتى يظهر أن آخرهم للفلسطيني هو الاحتلال أو الجدار أو القتل اليومي المبرمج أو اغلاق الحدود أو عزل الناس في مدن وقرى غير متصلة أو بناء المستطونات أو حرق الأشجار أو حرث الحقول أو اغلاق المعابر أو خنق الابداع أو منع حرية القول والفعل والتنقل والسكن والعمل والغذاء والعلاج وغيرها من مقومات الحياة .

        أين الاحتلال في أعمال الفنانات ؟

صورة واحدة  مكتوب عليها جملة يخطها طفل ، وفي لوحات الفنانة تمام الأكحل والفنانة سامية الزرو  .

        إذا وقع الكتاب بعد عقد أو عقدين في يد ناقد فني عربي أو عالمي ، سيكون تعليقه أن آخرهم يسكن المواطن الفلسطيني هو احتلال وطنه ، بدليل أن الفنانات الفلسطينيات يعبرن عن ذواتهن وصراعاتهن الذاتية تجاه حريتهن الشخصية في التعبير .

        تحت مسمى ” السياق والمنهج ” نقرأ ما يلي :

أن هناك خلفية فلسطينية سياسية تعرض نفسها في أعمالهن ، حتى وإن لم ترد بوضوح ، ولكنها تتسرب في ممارساتهن . والكثير من الفنانات يقطن في الشتات .! فقد ظلت القضية الفلسطينية نقطة مرجعية ، نجدها في طيات أعمالهن حتى إذا طغى التجريد على هدفهن، أو حتى إذا لم تكن الرمزية السياسية هي هدفهن المباشر ، فإن هناك إشارة باطنية لفلسطين .

        لا أدري كيف أفسر هذا التحليل ، هل تكون فلسطين “إشارة باطنية ” في أعمال فنانات فلسطينيات تسكن قضيتهن قلب كل عربي ومسلم ؟

        جاء ذكر الاحتلال والصهيونية مرة أو مرتين ، والتركيز كان على تحليل الأعمال الفنية دون ابراز الاحتلال بشكل مباشر في تشكيل وعي الفنانات الفلسطينيات.  في الفصل الثاني يأتي التركيز على ما يسمى الخبرة المجسدة – أنا الجسد، حيث نقرأ (( معظم الفنانات اللوات اتبعن هذا النمط والأسلوب وهو الأسلوب الذي كنقطة أساس لكيفية فهمنا للعالم )) كن يعشن في أوروبا أو أمريكا حيث وجدن المجتمع الذي يتقبل إظهار جسد المرأة من خلال الفن .

        في سياق التحليل في هذا الفصل هناك فذلكة في قضية الجسد تصلح للتحليل الفلسفي ، ولكنها لا تجعل القارئ أو المتفرج مدركاً أو متعاطفاً مع هذا الكشف القسري عن الجسد وربط قضيته بأرض الوطن ، كما جاء في السياق .

        وفي الخاتمة نقرأ ” استبدلن الأرض بأشخاصهن ، في البداية بوضع أجسادهن وأنفسهن كلاعبات أساسيات في أعمالهن الفنية . ونصل إلى .. ربما بجانب القصة أو الأرض وهي تتقاطع لتخلق سرداً جديداً ، لهذا السبب هذه النظرية لا تلتزم بروابط الزمان والمكان الفلسطيني في أعمال معظم الفنانات الفلسطينيات . ومن هنا رأيت أن هذا الكتاب وهذا الفن مقصود لتفكيك ارتباط الفنان والفن في القضية الوطنية ، وما يثير الشك هو الجملة الموسومة داخل الكتاب “مؤسسة الثقافات الثلاث ” أي ثقافات ثلاث يعنون ؟؟ 

        

أعلى مبيعاً، أكثر شهرة

هل تصدقون انه أصابتني الغيرة الأدبية من “سحارة الخيار”. عفوا، هذا ليس اسما لرواية مشهورة حصلت على أعلى المبيعات من بداية شهر رمضان الكريم، بل هي رمز مشفّر تدل على أهمية الخيار في حياتنا، فقد قرأت عشرات النقاريرالتي يكتبها المندوبون عن الخيار وارتفاع أسعاره نتيجة للتصدير، كما قرأت قرار الوزير بوقف التصدير، وقرأت أيضا تقريرا عن نزول السعر وفرح المواطنين باستقرار سعر الخيار لعدة أيام، ثم قرأت قرار اعادة التصدير، وبعد ذلك عادت الأسعار الى الارتفاع، ثم قرأت قرار العودة عن اعادة التصدير.

وهكذا، فمنذ اسيوعين وأنا أقرأ أخبار” سحارة الخيار” على الصفحة الأولى مرة، وفي الصفحات الداخلية مرات. ولو كنت في مزاج طيب لقصصت اوراق الصحف واحتفظت بهذه القصاصات في ملف لاستخدامه عند الحاجة اذا قررت كتابة تقرير عن أهمية الخيار في حياة البشر في الصيام أو في أيام الافطار على مدار العام.

الحقيقة أنني في حالة ذهول نسبي لتصدر الخيار واجهات الصحف اليومية، وتساءلت أكثر من مرة هل الخيار مهم لهذه الدرجة؟ هل هو مهم للمزارع أم للمستهلك الصائم وغير الصائم؟ أم للحكومة كمادة استراتيجية تدر عملة صعبة؟ أم للجهات المصدر اليها كمادة استهلاكية تدل على الرفاهية؟

وتساءلت أيضا: هل الخيار أهم من البندورة والبصل والتفاح مثلا؟ لا اعرف !! وبالمناسبة اليس من الممكن استبدال الخيار بالملفوف أو الخس أو الفقوس ان وجد؟ ومن المؤكد أن صحة المواطنين لن تنحرف، ولن يتظاهروا او يحتجوا بأية وسيلة لغياب الخيار عن الموائد، أو اختفائه من صحن السلطة.

أعود للغيرة التي أصابتني، وفكرت في الكتّاب الذين يصدرون قصصا وروايات وكتب أطفال مصورة ودواوين شعر وغيرها من صنوف الابداع الثقافي، وتساءلت: هل حظيت رواية مثلا بقدر من المقالات والتقارير والأخبار التي تعلن عن صدورها، على واحد بالمائة مما حصلت عليه رواية “سحارة الخيار”؟. وتمنيت لو أستطيع أن أكتب رواية تكون مادنها الأساسية ” الخيار”، ولكني تذكرت أنها ستكون دون طعم لأن الخيار، في الحقيقة، دون طعم، فلا هو بالحامض أو الحلو أو المالح أو المر أو اللاذع أو غير ذلك من ” الطعم” الذي نتذوقه، ومع هذا فهو يحظى باهتمام بالغ من المزارع والمستهلك والحكومة، والأطفال أيضا، فقد لاحظت أن الأطفال يحبون أكل” لب الخيار” حتى وهم في عمر صغيرة، ولم أعرف حتى الساعة، سر الخيار الذي حيرني وجعلني أفكر في سر الشهرة لهذه المادة الحيادية المائعة، وقلت ذات مرة: أن الشهرة “فعل مجنون، فلا يدري المشهور من أين حصلت له هذه النعمة التي تهبط على عباده من ” غامض علم الله”. وهناك من يضيق بالشهرة ويعتبرها قيدا على حريته، وهناك من يبذل جهودا جبارة وخارقة للحصول على” شوية شهرة” يتباهى فيها أمام من يرغب في ابهارهم.

لست في عجلة من أمري، فلم أتبين بعد لماذا يشتهر الخيار ويصبح حديث الصحف ووسائل الاعلام، ولم يحظ غيره من الخضار أو الفواكه بمثل شهرته عندما تغيب عن الموائد أو يرتفع سغرها؟

هل هو اللون الأخضر؟ أم كثرة المياه في تركيبته الغريبة؟ أم اسمه المميزالذي يوحي للسامع أو المستهلك لا فرق، انه يختار شيئا في حياته دون ضغط من أحد؟ هذا الخيار المشهور “بأصابع البوبو” يسيطر دون سبب ظاهر أو خاف، وقد بكون هذا هو السبب، عدم خطورة الخيار!!

أعدكم أن فكرة كتابة قصص قصيرة عن ” سحارة الخيار” تراودني منذ بدأت أقرأ مسلسل ” الخيار الممنوع من التصدير”. وأود لو أخبركم أن كتابي الذي صدر منذ بداية بث مسلسل” الخيار” تقريبا

لم يحظ الا بثلاث تقارير تعادل واحد بالمائة من تقارير مسلسل” الخيار السعيد” ولكني لا أرغب في الترويج للكتاب لأن هذا لا يليق، وأود أن آخذ بعين الاعتبار أن الخيارمادة استراتيجية هامة تستحق كل ما كتب عنها وما سيكتب قريبا، اما الكتب فما هي قيمتها؟ ولماذا يشتهر الكتاب؟ فالشهرة لا تأتي الا لمن يستحقها، وقد استحقتها “سحارة الخيار” عن جدارة!!