حديث المرايا والكوابيس” لفاخوري.. التحرر” من قيود الجسد

راجعه: ماجد جبارة

في كتابها الجديد الذي حمل عنوان “حديث المرايا والكوابيس” ، تدخلنا القاصة د. هدى فاحوري إلى ممارسة أقصى مستويات الحرية في الفن الأدبي لدرجة التحرر من قيود الجسد في الرقص، ومن قيود الرتابة في الموسيقى، ومن قيود المادة في الفن التشكيلي، ومن قيود اللغة التداولية في الشعر والأدب. ففي الفن تتحقق إنسانية الإنسان، في علاقته بالكون، وها هي فاحوري في نصوصها القصصية تعيدني إلى مربع الفن من جديد ، فهي التي تتحدث مع مرآتها ، وتبوح لها وتحفظ السر وتحاول خلق أساس لحوار غني بينها وبين مرآتها تثير غضبها أحيانا لتكشف أسرار من مروا بها ذات يوم، وتتمنع أحيانا ، لكنها تتحرر أحيانا أخرى من هذا الحرص الشديد على عدم البوح.

تستعيد فاحوري في قصصها هذه، الفن الإنسان من غربته التي فرضتها الثقافة بمفاهيمها وأعرافها ومؤسساتها وقيمها. في الفن وحده يتحرر الإنسان ليعيد بناء عالمه ويطور ثقافته من اجل هذه الحرية الخلاقة التي لا توجد إلا في الفن.

لذلك فعندما نغوص في مضامين قصص فاحوري نجد أن «الحب هو الوحيد القادر على خلق الانسجام المطلوب في مرايا ألذات، ويظل الإنسان السوي يبحث عن هذا الانسجام لعله يحصل ذات ثانية على الحب المنشود الذي يمنحه الأمان».

تذكرنا من جديد،القاصة فاحوري أن الفن هو المجال الأخصب لممارسة الحرية، وحين تصبح المجتمعات فزعة من الحرية، يكون الفن ضحية هذا الفزع. الفن هو ممارسة أقصى مستويات الحرية. يمارس الإنسان في الفن أقصى درجات التحرر، يتحرر من قيود الجسد في الرقص، من قيود الرتابة في الموسيقى، من قيود المادة في الفن التشكيلي، ومن قيود اللغة التداولية في الشعر والأدب. في الفن تتحقق إنسانية الإنسان في علاقته بالكون، حيث يستعيد الفن الإنسانَ من غربته التي فرضتها الثقافة بمفاهيمها وأعرافها ومؤسساتها وقيمها. في الفن وحده يتحرر الإنسان ليعيد بناء عالمه ويطور ثقافته. من أجل هذه الحرية الخلاّقة التي لا توجد إلا في الفن، يكره المتشددون الفن على اختلاف طوائفهم، سياسيا واجتماعياً وأخلاقيا، ويمارسون ضد الفن والفنانين كل ضروب الاضطهاد، وفي أحسن الأحوال يضعون في الطريق الأشواك والمحاذير..

فاحوري في قصصها تجاوزت المحاذير وشقت طريق الاشواك معلنة وضوح صورتها في مرآتها المهشمة، فهي لا ترى سوى المحبين الذين يدمعون، عندما يشتاقون لطيفها ، يبسمون عندما تهل ، يحرصون على قول كلمات الود ولا يرون إلا تلك المرآة التي عندما وقعت تشكل من شظاياها قلب يشع تلك الموجات، التي تتراكض على شكل قوس يحضن الكبير منها الصغير، إلى أن تصل إلى حيث تجد االموجة الملائمة لطاقتها المشحونة بالحب، هؤلاء هم من يمنحون الثقة لمحبي الحياة والالق وزهرة الجاردينيا البيضاء الفواحة.

في قصصها كما تؤكد لنا فاحوري أن « الإنسان يحمل في ثنايا خلاياه مرايا تحفظ الوجود والأحداث والذكريات، ومن خلال ذاكرة مراياه يكون رد فعله تجاه ما يمر به في كل لحظة، وعندما تتهشم مرايا ألذات يفقد الإنسان بوصلته ، ولكن إذا انسجمت رؤية المرايا فإن حياة هذا الإنسان تصبح حياة رائعة قادرة على العطاء والحب» .