فيسبوك 25 كانون ثاني 2021
في ذكرى رحيلها، سأكتب قصة حبها، قصة حب أمي هيلانة وزواجها من سالم أبي.قبل حوالي تسعين عاماً، حضر الرجال على أحصنتهم من قرية مجاورة للسلط إلى دار جدي عباس طلّابة لعروس.
كانت ًهيلانة هي المقصودة، البنت الثالثة لجدي.فجأة تنبه أبناء العم في الدور المجاورة لما يجري، وثارت حميتهم، وقالت إحدى النساء: ترى الغزال المرفّع ينزل يتمرمغ بالحارات!
هب أولاد العم، فكّوا أرسنة الخيل وأرسلوها نافرة بين الدور ترمح دون هواده.هرع الرجال الطلّابة ولحقوا بخيلهم وغادروا إلى قريتهم.
أما الشباب، أبناء العم، دخلوا بيت جدي وعددهم اثنا عشر شاباً وقالوا لجدي: وين هيلانة؟ عليها أن تختار واحدا من أبناء أعمامها.
كان جدي رجلاً مهاباً وفاضلاً ومحباً لبناته الست، ويُكنى بأبي إبراهيم، إبنه الوحيد. حضرت ًهيلانة ولم تستطع أن تختر زوجها المستقبلي لخجلها.
اجتمع الشباب فيما بعد وقرروا أن يُرسلوا برقية لابن خالتها المجند في معان، والعائد من مغامرة سفر إلى فنزويلا، أن يحضر لخطبة هيلانة، فكلهم يعرفون أنه يُحبها.
حضر سالم وخطب هيلانة وتزوجا.
هذا ما روته لي خالتي فريدة راوية قصص العائلة بتفاصيلها، خصوصاً قصص الحب.سألت أمي ذات مرة. لماذا لم تختاري واحداً من الشباب الذين تقدموا لخطبتك؟ أجابت: عشان يقولوا هيلانة تجوزت على نقى عينها!
وكنت ألاحظ أن أبي ظل مغرما بأمي حتى آخر يوم في حياته، ويقول لنا عندما نتمرد على شدتها وأوامرها :أنا اخترتُ لكم أحسن أم في الكون!
ولا زلت أتذكر بعد مرور حوالي ستة عقود على رحيل أبي وعقدين ونصف على رحيل أمي، أنهما كانا حريصين على أن نعيش بمستوى أفضل، ولم يُستخدم أي عنف ضدنا، خصوصا البنات.
وكان أبي يتباهى بي ويقول: هدى بدى أعلمها دكتورة أسنان. وهذا ما حققته له بعد رحيله بسنة.لهما الذكر الطيب والحسن.
ولكِ يا أمي بذكرى رحيلك، أطيب الذكريات التي عشناها معاً على مدى عقود طويلة.
ولن أنسى ماكنت ترددين من مقولة :قظيت عمري وانا أداري بصاحبي، لا صاحبي راضي ولا العمر ماضي. لقد رضي صاحبك أخيراً … ومضى العمر.. مضى!