حزن عائلة تبحث عن العدالة للكاتب الذي اُغتيل أمام قصر العدل الأردني

فيسبوك 3 تشرين ثاني 2021

روبرت فيسك – الاندبندنت

ترجمة: د. هدى فاخوري

تبحث عائلة ناهض حتر عن تحقيق محايد لتفسير موته، بعد مقتل الصحفي على درج قصر العدل الذي ذهب إليه لحضور جلسة المحكمة بتهمة «ازدراء الأديان».

جريمة قتل ناهض حتر الصحفي المسيحي الأردني ليست مأساة فحسب، بل هي عار وجريمة ضد كل الصحفيين. هناك دليل قاطع على أن حكومة أخرى معتدلة ومدعومة من الغرب، لا تحمي حياة مواطنيها حينما يعتدي الإخوان المسلمون على المواطنين على أبواب المؤسسات.

أمر رئيس الوزراء الأردني بنفسه باعتقال ناهض حتر، وقُتل في ما بعد على أبواب قصر العدل وهو ذاهب بإرادته يبحث عن العدالة، في حين أننا نحن الغربيين نبحث عن العدالة بشكلها السطحي في ما يحدث في حلب، إلا اننا سهونا عن أو تجاهلنا هذا الكاتب المشاغب اللامع ذا المواقف الجدلية. لكن، علينا أولاً أن نرى ما كتبه ابنه المعتز ذو الـ ٢٧ عاماً ونستمع إلى ما قاله لي عندما زرته في بيته المتواضع في عمان عن اللحظات الأخيرة في حياة والده، وكيف أن رجال الشرطة الذين كانوا موجودين في ذلك اليوم مِنْ شهر أيلول أمام قصر العدل، وعددهم من ١٠-١٥ شرطياً، لم يقوموا بواجبهم عندما أُطلق الرصاص على ناهض حتر أمام قصر العدل.

شاهدوا الجريمة تُرتَكب بالقرب منهم ولم يقوموا بواجبهم بجدية.

دخلتُ إلى قصر العدل وكان شقيقي خلفي يسير مع والدي على درجات قصر العدل، يقول المعتز: سمعت ٣ أو ٤ طلقات فذهبتُ لأرى من أين أتى هذا الصوت، رأيت أبي على درج قصر العدل أما أخي فقد أمسك بالمجرم، وهكذا كنت لوحدي مع أبي، لم يرمش، فاعتقدت أنه فقد حياته، لم يتحرك أحد، لا أحد من رجال الشرطة «خارج قاعة المحكمة» تحرك، كان عددهم من ١٠-١٥ شرطياً.

لكن الآن علينا أن نروي القصة، بعد المأساة، كلما عرفت أكثر عن الحدث وعن مقتل ناهض البالغ من العمر ٥٦ عاماً أُصبِحُ أكثر غضباً.

كان ناهض حتر يُغضِب بعض الناس و«كان فردياً وقويّاً ويُثير بعضهم ويستفز مشاعر المتدينين المتعصبين مِنْ كل الأديان. علينا أن نعرف جيداً أن الحكومة الأردنية كانت تحاول أن تسترضيهم. وناهض كمسيحي يُعتَبر من الأقليات التي لا تزيد نسبتها عن ٦٪ مِنْ عدد السكان. كان يدعم الحكومة والجيش السوري وعلى رأي الصحفي «شارمن نارواني»، كان ناهض شخصاً صعباً ذا عقل فردي وجاد وكانت «جريمته» الأخيرة نموذجيّة منه.

جريمته هي أنه «شيّر» أو أعاد نشر كاريكاتير على صفحته في الفيسبوك، عن الجهاديين الإسلاميين تهين الخالق. لم يرسم ناهض الكاريكاتير وأوضح في تعليق له أن هذا ليس الله، ليس إله المسلمين، هذا رب داعش.

لكن بعد ساعات وضع الإخوان المسلمون على موقعهم الإلكتروني الرسم الكاريكاتوري معدلاً، وغيبوا تفسير حتر عن الصفحة حول الله الذي قال فيه: إن رب داعش ليس إله المسلمين. لكن، الحكومة الأردنية «المعتدلة» اتهمت حتر أنه قام بعمل يُعتَبر خارجاً عن القانون. ويتأثر عددٌ من الأردنيين بوسائل الاتصال الاجتماعي، كيف يستغلها الغربيون، فكتبوا على تويتر وفيسبوك مهددين حياة حتر شخصياً، ومنهم مَنْ طالب بتمزيق جسده وتقطيعه وبالأخص لسانه، وهناك مَنْ كتب على حسابه الشخصي باسمه الصريح، ولم تتحرك الحكومة ولم تفعل شيئاً لردعهم.

كان ناهض حتر قد اُعتُقِل بتاريخ ١٣ آب ٢٠١٦ وقد ضُرِب بالمعتقل، ولكنه صمم أن يدافع عن نفسه في المحكمة بتاريخ ٢٠١٦/٩/٢٥. في اليوم التالي لمقتله أصبحت صوره تلف العالم تحكي كيف سال دمه على درجات قصر العدل. قبل العودة لعائلته سنلقي الضوء على القاتل وهو «رياض اسماعيل أحمد عبد الله»، وبناء على معلومات مِنْ عائلة حتر فقد حارب القاتل في سوريا ضد نظام الأسد، وعندما عاد إلى الأردن عمل كمدني في وزارة التربية والتعليم وعمل أيضاً كواعظ في جامعين. لكن عائلة حتر تلوم كثيراً الناس المهمّين لمقتل ناهض.

قال شقيقه خالد، على سبيل المثال، وهو يستذكر كيف بعث هاني الملقي، «رئيس الوزراء»، برسولٍ إلى ناهض، يطلب منه وقف انتقاده له قائلا، توقف عن الكتابة عني، أنا لست سيّئاً إلى هذا الحد. لكن في شهر آب طلب مِنْ سلامة حماد، وزير الداخلية، اعتقال شقيقي واصفاً إيّاه بالشخص الخطر الهارب من العدالة، وقد اعتقلوا شقيقي دون مسوّغ قانوني، وبدأت بعض المجموعات المتدينة تعمل ضده وتتهمه بأنه هارب من العدالة.

اُعتُقِل شقيقي لمدة ٢٦ يوماً قبل المحاكمة، ورفضت المحكمة تكفيله رغم أن اعتقاله لم يتم بناء على أنه ارتكب جريمة. في القانون الأردني ليس ما قام به جريمة، بل جنحة.

بعد القتل مباشرة، وصفت الحكومة القاتل بالمجرم البشع وقالت إنَّها ستضرب بيدٍ من حديد كلَّ من يستغل الجريمة لبث الفرقة في المجتمع. لكن عندما طلبت العائلة الحماية لناهض حتر قبل المحاكمة عندما أفرج عنه من السجن، قال خالد: إن ضابطاً قال له «حسب معلوماتنا ليس هناك خطراً على حياته».. يستطيع أن يكتب اسمه على جبينه ويمشي في الشارع. ولكن جريدة السبيل* كتبت تاريخ المحاكمة على موقعها على الإنترنت.

المعتز ابن ناهض حتر خريج كلية الإدارة المصرفية وهو موسيقي أيضاً، كان يعمل مع أبيه في آخر أيامه كسكرتير، قال: إن والده أخبره أن رئيس الوزراء يريد تحطيم صورته، وقال أيضاً يريدون أن يغتالوا شخصيتي. وهذا مستوى جديد من الجريمة في الأردن، هكذا كانت كلماته.

كان هذا قبل خمسة أيام من زيارة الملك عبد الله «حفيد الرسول» لبيت العزاء. وقيل لنا إن والده الملك حسين كان يصل إلى بيت العزاء بعد ٣٠ دقيقة في مناسبات مشابهة. قال الملك عبد الله لعائلة حتر: إنه لم يكن يعرف تاريخ حياة القاتل، وأجبناه إنه كان قنبلة موقوتة تنتظر الانفجار. وأجاب الملك: لن نسمح لأي إرهابي بعبور حدود الأردن. طلبنا منه إجراء محاكمة عادلة، وقلنا له سنبلغك بالتفاصيل ولم نسمع جواباً حتى الآن، نطلب أن يُساءل رئيس الوزراء الملقي عن الجريمة.

قالت لي رنده، أرملة ناهض، لا نزال ننتظر أيَّ رد فعل من اللجنة التي وعد الملك بتشكيلها لمساءلة هؤلاء الذين فشلوا في القيام بواجبهم، ولكن لم نسمع شيئاً حتى الآن. قدّم السفير البريطاني واجب العزاء لعائلة حتر، وكذلك فعل السفراء، السوري والإيراني واللبناني. قال خالد: ناهض كان يهاجم الحكومة لأنَّها تسمح للإرهابيين مثل جبهة لنصرة وداعش بالعبور إلى سوريا، رندة أرملة ناهض تعتبر، أن كثيرين أساءوا فهم ناهض، كانت شخصيته مركبة ومختلفة وكان مميزاً ومعروفاً في الأردن والشرق الأوسط، كان بسيطاً ومحباً في حياته اليومية، وعندما سألتها لماذا تزوجت بناهض، أجابت ببساطة، لقد أحببته، كان شخصاً موهوباً وعميقاً، كان يكتب الشعر لحفيدته التي يحلم بها، كان جاداً جداً في عمله السياسي وكان يملك قلباً طيباً في حياته الشخصية.

ولكن، قد يكون أعمق تعبيرٍ عن الحزن سمعته من ابنه المعتز، حيث قال: كان أبي وكان أعز الأصدقاء، كنت أحس أنه ابني أيضا وكنت أرغب في حمايته والآن أحس أنني فقدت المسؤولية التي كنت أحملها، فقد كنت أترجم له لمدة سنتين قبل وفاته، كنت أحضر له الإفطار، وأعمل كسكرتير له، أحس أن الناس يتكلمون عن شخصٍ آخر وليس عن أبي.

عندما يعود إلى البيت بعد ظهوره في مقابلة على التلفزيون كان يحلل نفسه لي ثم يذهب ويُطعم العصافير ويقرأ الشعر وفي نفس الوقت يكون والدي جديّاً. وقد كتب لنا شعراً وهو في السجن.

لا يستطيع أحد أن ينكر دعم ناهض حتر لبشار الأسد رئيس سوريا، وكان قريباً مِنْ حزب الله، وقد أمضى سنوات في حياته كمحرر لصحيفة الأخبار. عندما زار موسكو في شهر تموز الماضي، زار بيت «دستويفسكي» وبيت «تولستوي»، وحضر أوبرا «بحيرة البجع» في مبنى «البولشوي».

هل كان يخشى الإسلاميين الموجودين على الحدود مع العراق وسوريا، إذ يُقدَّر عدد الأردنيين الذين انضموا لداعش بـ 2500، وقد هاجموا مفرزة أردنيّة وقتلوا ١١ جنديّاً أردنيّاً كما قتلوا بعضاً مِنْ رجال المخابرات في حزيران الماضي.

وهم المتهمون بمقتل ناهض حتر.

الشبح

الدستور 2011/12/22

كنت ولا أزال، لا أومن بما ما يُروى من قصص الأشباح، التي تدخل ضمن الروايات الشعبية والقص التراثي، وتسكن الوجدان الشعبي كشخصيات تلعب دورا في حياة البشر، خصوصا في القصص التي تروى للأطفال.

ولكن، بدأت مؤخرا أعيد النظر بفكرة الشبح، فقد يكون الشبح فكرة أوشخصية روائية يبتدعها الروائي أو الراوي، ليضيف أحداثا شبه أسطورية، غير متوقعة، بقصد التشويق او خلق جو الرعب الذي طالما شاهدناه في أفلام الرعب الأمريكية تحديدا.

أكتب عن الشبح، وعبني على الكتاب الذي أكد لي أن الشبح ليس شخصا وهميا كما كنا نعتقد،بل هو

موجود بيننا، أي في هذا العالم الواسع الشاسع الذي يعيش فيه الأشباح والغيلان الى جانب الناس البسطاء الفقراء الذين يبحثون عن الستر، نعم الستر بالمعنى الحرفي الذي كانت الجدات يطلبنه للأبناء والبنات.

الشبح يا خلان هو اتحاد أو ائتلاف أو تضامن أو تشارك بين أصحاب الشركات الكبرى، ولنرمز لهم بحرف “الشين”، وأصحاب البنوك التي تشفط أموال البشر، ويتنغنغ المدراء المكلفون بادارة هذه الأموال بالرواتب الضخمة، وبدلات السفر” والبونس” في نهاية العام. ولنرمز لهم بحرف ” الباء”.

وأخيرا تأتي الحكومات، كل الحكومات في العالم، الذين يعملون بالتضامن والتآخي مع هاتين المؤسستين لضمان سير أعمال الحكومات، التي غالبا، تحابي أصحاب الأموال على مصالح المواطنين الفقراء، لأنهم بالتالي ينتفعون من تنامي أعمال الشركات والبنوك، ويضمنون مواقع هامة بعد التقاعد أو بعد الابتعاد عن المناصب الحكومية، ولنرمز لهم بحرف ” الحاء”.

 هل تشكل الشبح أمامكم؟ هل يخيفكم؟ تعالوا معي لنقرأ بعض ما كنب ” جون بيركنز” في كتابه “اعترافات قاتل اقتصادي” ترجمة ” بسام ابو غزالة”، (من مقار الشركات في نيويورك، وشيكاغو، وسان فرنسيسكو، ولندن، وطوكيو، يخرج رجال ونساء وينسابون عبر كل قارة في العالم لاقناع السياسيين الفاسدين  بجعل دولهم ترزح تحت نير سلطة الشركات، ولاغراء اليائسين من الناس على بيع أجسادهم في مصانع الكدح وخطوط الانتاج).

هل هناك أبلغ من هذا الكلام في تآلف الشركات والحكومات والبنوك ايضا، لأنها حافظة نقود الشركات، لامتصاص دم وعرق ولحم البسطاء في العالم من أجل أن تثرى حفنة من المتنفذين في أطراف الدنيا تجمعها مصالح مشتركة؟..!

ليس هذا وحسب، فهذه المؤسسات التي تأتمر بأمر أكبر مؤسسة تجسس في العالم، ويرمز لها أيضا بثلاثة احرف أصبحت معروفة لدى الجميع بأنها تحرك الأشباح حيث تريد، وتمارس القتل، عند الضرورة” اذا رفض رئيس دولة ما الخضوع لشروطهم، وهي القيام بمشاريع كبرى تنفذها الشركات الكبرى، والأمريكية على وجه الخصوص، بمبالغ خيالية مستدانة من البنوك العالمية، وتقوم هذه الشركات بالتنفيذ وتشفط المبالغ الضخمة، وترزح البلاد تحت نير الدين الذي لا يمكن تسديدة مع الفوائد المركبة حتى بعد عدة عقود.

اذا رفض رئيس الدولة هذه المعادلة، سينبري له ما سماه الكاتب ” بنات آوى” لاغتياله عن طريق اسقاط الطائرة، كما حصل مع رئيس الاكوادور” رُلدُس” ورئيس بنما ” عمر نوريجُس” . 

أما في العراق، فقد فشل القتلة الاقتصاديون وبنات آوى جميعا، لذلك كان لا بد من الاحتلال العسكري، فالعراق مهم جدا من أجل السيطرة على النفط، والموقع على المستويين الجغرافي والسياسي.

زالت الغشاوة، ولم يعد هناك ما يقوله الناس، كل الناس، في كل مكان في العالم، أن ما يجري للبشر من افقار وجوع وتخريب للبيئة، ليس صدفة، فهناك مؤامرة تقودها الأشباح لفائدة طبقة عالمية.

ولكن الطبيعة، وعلى الرغم من كونها غير شريرة كالبشر، الا أن ما يجري الآن من احتباس حراري، أدى الى ارتفاع في درجات الحرارة، وتغير في المناخ، وذوبان للثلوج في القطبين، وتسونامات تضرب القارات والشواطىء، والحرائق والجفاف والزوابع، كل هذا احتجاج على ما يجري من تخريب لهذا الكوكب الضعيف المسكين الذي استغله هؤلاء القتلة الاقتصاديين ومن يوظفهم في مشاريعهم التي هدمت توازن النظام الكوني.

كل هذا لا يدعونا لليأس، بل يفتح العيون على أن كل ما جرى هو بفعل فاعل، ومن الممكن الاستفاده من القوى الخيرة في العالم التي استطاعت أن تقاوم هذا الكابوس، وهؤلاء الأشباح، لصالح البشر الذين ذاقوا المرارة، ولا بد من ملعقة عسل يصنعها الشرفاء من أزهار الخير التي يمتص رحيقها النحل، مثلُنا، في الدأب والعمل والانتاج.

بالعربي الفصيح

الدستور 2011/12/6

قال الزميل يفتخر بابنته الصغيرة: انها تتكلم بالفصحى، وهو سعيد بذلك، سألته: من أين اكتسبت ابنته هذه الملكة وهو يتكلم بالعامية عادة؟ أجاب: انها احدى الفضائيات المخصصة للأطفال قبل عمر الدراسة، وأضاف انه يرى أن الأطفال اذا راقبوا هذه المحطة، فهي بديل جيد عن المحطات الأخرى التي تقدم أفلام “الكرتون الآكشن”، وهي أيضا قد تكون بديلا للحضانة التي لا يستطيع معظم الآباء تحمل مصاريفها الباهظة.

سررت بما قاله الزميل، وسمعت فيما بعد نفس الكلام من أكثر من صديقة تمتدح خطة المحطة التلفزيونية الموجهة للبراعم الصغيرة.

بنفس الأسبوع أيضا شاهدت برنامجا استضاف الشاعر فاروق شوشة وهو يتحدث عن اللغة العربية، وعن دور مجامع الغة العربية في تطويرها. وأهم ما قاله فاروق شوشة هو: ان اتقان العربية يحتاج لمعرفة عشرة قواعد فقط، ومن يحفظها ويطبقها من الطلاب يستطيع أن يتكلم ويقرأ ويكتب بلغة عربية سليمة. 

وشاءت الصدف أن أكلف بقراءة عشرات القصص والمقالات لطلاب وطالبات مدارس أهلية، وذلك لفرز افضل القصص والمقالات. وقد وجدت بين هؤلاء الطلاب والطالبات من هم قادرون على الكتابة بلغة عربية سليمة، ولكنهم ليسوا أغلبية، وهم طلاب من مدارس متميزة. 

وصلت الى نتيجة، أننا بحاجة للاهتمام بالأطفال قبل عمر الدراسة، وفي الحضانة، وفي المدارس الابتدائية بشكل خاص، لاتقان اللغة العربية. وهذا يعني أن تقام ورشات عمل ودورات متخصصة لمدرسي ومدرسات اللغة العربية، تعقدها وزارة التربية والتعليم، بالتعاون مع الجامعات والمؤسسات القادرة على وضع البرنامج الخاص بتطوير ملكات المدرسين، ليكونوا بالتالي قادرين على تعليم اللغة العربية الحديثة السهلة القابلة للاستخدام في كل المناسبات.

من جانب آخر، نأمل ان تهتم جهة ما، بالاعلانات التي تعتبر أن تكسير اللغة يمنح الاعلان صفة التميز، وهذا تميز غير صحيح، فهناك اعلانات تثير حساسية عند مشاهدتها على الفضائيات، او عند قراءتها، فهي تخدش السمع، ولا تؤدي الا الى ترويج كلمات وجمل غير مستساغة.

أما كتابة ” الآرمات” باللغات الأجنبية، وبخاصة باللغة الانجليزية، فهي قصة اخرى، فما الحاجة لتسمية المطاعم التي يرتادها الأردنيون والعرب، وقلة من الأجانب، بأسماء أجنبية؟ يكفي ان يكتب كلمة “مطعم” باللغة الأكثر رواجا، وهي اللغة الانجليزية في بلادنا، او وضع اشارة الشوكة والسكين تحت الآرمة، ليستدل الأجنبي على المطعم. ومن عجائب الصدف ان هذه الظاهرة أقل بروزا في مطاعم النجوم الخمس التي يرتادها الأجانب، بشكل خاص، فمعظم هذه المطاعم لها تسميات عربية  من التراث او مسماة بالعربية الفصحى. وهذا اسلوب حميد يشكرون علية.

اللغة هي وعاء التفكير، والاعتزاز باللغة انتماء للوطن، ومعرفة اللغات الأخرى، ثقافة ومعرفة ايضا، ولا يجوز أن تكون بديلا عن اللغة الأم.

 لدينا أمل أن يتغير اسلوب التفكيرالذي يعني أن اللغة العربية لم تعد قادرة على حمل التطور التكنولوجي، هذا تعبيرغير دقيق، وهو تفكير العاجزين، فهناك لغات أقل يكثير من لغتنا القابلة للاشتقاق، والتعريب، وخلق المترادفات، وهضم الكلمات الأعجمية ودمجها في نسيج اللغة العربية.

اقول هناك لغات اقل بكثير من لغتنا ومع هذا، يعتز اصحابها بلغتهم ويتحدثون بها في المحافل الدولية

دون خجل أو احساس بالدونية.

اللغة كائن حي، ينمو ويتطور بالرعاية والاهتمام من أهلها الذين لن يكون لهم وجود فعلي على هذا الكوكب، الا باحترام لغتهم التي هي وعاءهم الفكري.

الأشجار.. أينعت

2011/2/5 الدستور

يُحكى أن الشجرة قبل أن تجف عروقها، تقوم بمحاولة أخيرة وهي إنبات برعم يحمل بذور البقاء،  

وغالبا ما تنجح المحاولة, وتعود الحياة بكل عنفوانها. وكثيرا ما رأينا عروق الدوالي المتيبسة، تمنحنا قطوف العنب والأوراق الخضراء اليانعة في رمشة عين، لحظة تحنو الطبيعة على هذه العروق وتمنحها قطرات من الماء الزلال المشعشع الرقراق.

هكذا أرى ما يجري الآن في وطننا العربي ممثلة بمصر وتونس. فقد كان يغلي الدم في عروقي عندما كنت أسمع كلمات الاستهانة بالأمة العربية، وتأكيد هؤلاء المارقين أننا انتهينا، ولن تقوم لنا قائمة، فأسمع هدير دمي وهو يغلي، وأقول كلمتي وأمشي. كنت على يقين أن أمتنا تختزن طاقات 

لا تنضب وأن لحظة النهوض قادمة، ولم تأت بعد تلك اللحظة الحرجة التي تقلب التوازن المزيف، 

وتحرك الجبال، وقد قالها المسيح، من لديه هذا الإيمان العميق يستطيع أن يحرك الجبال، وقد كنا 

نعجب في صغرنا من فكرة تحريك الجبل!! وإذا به يصبح حقيقة واقعة نشهدها بأم أعيننا.

أينعت الأشجار ممثلة بالشباب العربي المصري، وقفوا كالأشجار التي تمد جذورها في باطن الأرض في ميدان التحرير يطالبون بالحرية والعدل والحياة الكريمة. مطالب لا يختلف عليها اثنان،

ولكنهم افتقدوها لعقود طويلة، فقد قفز في لحظة زمنية غادرة إلى السلطة رجال ونساء، أساءوا تقدير المشهد، فاستولوا على مقدرات الشعب وبتوا الدور والقصور، وكدسوا الأموال بيد قلة من الحلفاء والأصدقاء، وحرموا المواطنين من حقهم في ثروة وطنهم. هذا ما جرى، وقد صبر الناس، صبروا الى أن بدأت عروقهم بالجفاف، فأينع ذلك البرعم وبزغت تلك البراعم الواعدة تطلب حقها في الحياة،

وها هي توشك، تلك الأشجار، على  الإزهار معلنة للعالم أن الحياة دبّت في العروق، ولا بد للثمر أن يتدلى على الفروع.

نعيش لحظة تحقيق الحلم، حلم الحياة الحرة الكريمة لكل المواطنين الذين عانوا كثيرا من العوز والقمع وقلة الفرص التي تمنح الأمل. وها هو الأمل يبزغ من جديد على أيدي شباب لهم المصلحة الحقيقية في التغيير نحو الأفضل. هم يعرفون ما هو الأفضل لهم، فالذي جرى لبلدهم قبل أن يولدوا،

لا يصح ان يستمر، فالاستمرار في العيش في ظل الخوف والقمع وعدم تكافؤ الفرص، لن يستمر،

فالشباب قد أمسك بتلك اللحظة المباركة، ولن يتنازلوا عن حقوقهم مهما كانت التضحيات، وليس هناك مكاسب دون تضحيات، وهم يدركون هذا الأمر جيدا، وهم راضون عن تقديم التضحيات

التي ستمنحهم حتما الحرية، ولن يتنازلوا عن هذا الحق الذي يعني لهم الحياة. 

هي اللحظة المباركة التي ستطرح الثمار، وهي تلك الأشجار التي تجذرت في الأرض المباركة التي لن تخذلنا، فهي أمنا الحنونة التي تطعمنا الخبز والحرية.